قوله : «كتاب » قد تقدم أنه يجوز أن يكون خبراً لِتَنْزِيلُ ، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون بدلاً من تنزيل{[48501]} ، وأن يكون فاعلاً بالمصدر ، وهو تنزيل أي نزل الكتاب ، قاله أبو البقاء . و { فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } صفة «لِكتَابٍ »{[48502]} .
قوله : «قرآناً » في نصبة ستةُ أوجه :
أحدها : هو حال بنفسه . و«عَرَبِيًّا » صفته ، أو حال مُوطِّئَة{[48503]} ، والحال في الحقيقة «عربياً » وهي حال غير متنقلة وصاحب الحال إما كتاب لوصفه بفصلت ، وما «آياته » ، أو منصوب على المصدر{[48504]} ، أي يقرأه قرآناً أو على الاختصاص والمدح{[48505]} ، أو مفعول ثانٍ «لفصلت »{[48506]} ، أو منصوب بتقدير فعل ، أي فصَّلْنَاهُ قُرْآناً{[48507]} .
قوله : «لِقَومٍ » فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يتعلق «بفصلت » أي فصلتُ لهؤلاءِ وبينتُ لهم ؛ لأنهم هم المنتفعون بها وإن كانت مفصلة في نفسها لجميع الناس .
الثاني : أن يتعلق بمحذوف صفة «لقرآنا » ، أي كائنا لهؤلاء خاصة ، لما تقدم من المعنى .
الثالث : أن يتعلق بتنزيل . وهذا إذا لم تجعل «مِنَ الرَّحْمنِ » صفة له ؛ لأنك إن جعلت «من الرحمن » صفة له ، فقد أعلمت المصدر الموصوف وإذا لم يكن «كتاب » خبراً عنه ، ولا بدلاً منه ؛ لئلا يلزم الإخبار عن الموصول أو المبدل منه قبل تمام صلته ، ومن يتسع في الظرف وعديله لم يبال بشيءٍ .
وأما إذا جعلت «من الرحمن » متعلقاً به و«كتاب » فاعلاً به فلا يَضُرُّ ذلك ؛ لأنه من تتماته وليس بأجنبي{[48508]} .
اعلم أنه تعالى حكم على هذه السورة بأشياء :
أولها : كونها تنزيلاً ، والمراد المنزل ، والتعبير عن المفعول بالمصدر مجاز مشهور ، كقوله : هذا بناء الأمير أي مبنيّه ، وهذا الدِّرهم ضربُ السُّلطان ( أي مضروبه ){[48509]} ومعنى كونه منزلاً : أن الله تعالى كتبها في اللوح المحفوظ ، وأمر جبريل ، عليه ( الصلاة ){[48510]} والسلام أن يحفظ الكلمات ثم ينزل بها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويُؤَدِّيها إليه ، فلما حصل تفهيمُ هذه الكلمات بواسطة نزول جبريل عليه ( الصلاة ){[48511]} والسلام سمي بذلك تنزيلاً .
وثانيها : كون ذلك التنزيل من الرحمن الرحيم ، وذلك يدل على أن ذلك التنزيل نعمةٌ عظيمة من الله تعالى ، لأن الفعل المقرون بالصفة لا بد وأن يكون مناسباً لتلك الصفة ، فكونه تعالى رحمن{[48512]} رحيماً صفتان دالتان على كما الرحمة ، فالتنزيلُ المضاف إلى هاتين الصفتين لا بدَّ وأن يكون دالاً على أعظم وجوه الرحمة والنعمة والأمر كذلك ؛ لأن الخَلْقَ في هذا العالم كالمرضى والمُحتاجين ، والقرآن مشتمل على كل ما يحتاج إليه المرضى من الأدوية ، وعلى ما يحتاج إليه الأصحاء من الأغذية ، فكان أعظم النعم من الله تعالى على أهل هذا العالم إنزال القرآن عليهم .
وثالثها : كونه كتاباً ، وتقدم أن هذا الاسم مشتق من الكَتْبِ وهو الجمع ، فسمي كتاباً لأنه جمع فيه عِلْمَ الأولين والآخرين .
ورابعها : قوله فصلت آياته ، أي ميزت وجعلت تفاصيل في معانٍ مختلفةٍ فبعضها وصف ذات الله ، وصفاتِ التنزيه والتقديس وشرح كمال عمله وقدرته ورحمته وعجائب أصول خلقه من السموات والكواكب وتعاقب الليل والنهار ، وعجائب أحوال النبات والحيوان وبعضها في المواعظ والنصائح ، وبعضها في تهذيب الأخلاق ورياضة النفس ، وبعضها في قَصَص الأنبياء وتواريخ الماضين ، وبالجملة فمن أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم المختلفة مثل ما في القرآن .
وخامسها : قوله : قرآناً وقد سبق توجيه هذا الاسم .
وسادسها : قوله عربياً أي إنما نزل بلغة العرب ، ويؤكده قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [ إبراهيم : 5 ] .
وسابعها : قوله «لقوم يعلمون » أي جعلناه قرآناً لأَجْلِ أنا أنزلناه على قوم عربٍ بلغتهم ليفهموا منه المراد{[48513]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.