الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا} (3)

قوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ } : متعلقٌ بفَتَحْنا ، وهي لامُ العلةِ . وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : كيف جُعِل فتحُ مكةَ علةً للمغفرة ؟ قلت : لم يُجْعَلْ علةً للمغفرةِ ، ولكن لِما عَدَّد من الأمور الأربعة وهي : المغفرةُ ، وإتمامُ النعمةِ ، وهدايةُ الصراطِ المستقيمِ ، والنصرُ العزيزُ ؛ كأنه قال : يَسَّرْنا لك فتح مكة ونَصَرْناك على عدوِّك ؛ لنجمعَ لك بين عِزِّ الدارَيْن وأغراضِ العاجلِ والآجل . ويجوزُ أَنْ يكونَ فَتْحُ مكةَ من حيث إنَّه جهادٌ للعدو سبباً للغفران والثواب " . وهذا الذي قاله مخالِفٌ لظاهرِ الآية ؛ فإنَّ اللامَ داخلةٌ على المغفرة ، فتكونُ المغفرةُ علةً للفتح ، والفتحُ مُعَلَّلٌ بها ، فكان ينبغي أَنْ يقولَ : كيف جُعِل فتحُ مكةَ مُعَلَّلاً بالمغفرةِ ؟ ثم يقول : لم يُجْعَلْ مُعَلَّلاً . وقال ابنُ عطية : " المرادُ هنا أنَّ اللَّهَ تعالى فَتَح لك لكي يجعلَ الفتح علامةً لغفرانه لك ، فكأنها لامُ صيرورة " وهذا كلامٌ ماشٍ على الظاهر . وقال بعضُهم : إنَّ هذه اللامُ لامُ القسمِ والأصلُ : لَيَغْفِرَنَّ فكُسِرَتْ اللامُ تشبيهاً ب لام كي ، وحُذِفَتْ النونُ . ورُدَّ هذا : بأنَّ اللامَ لا تُكْسَرُ . وبأنَّها لا تَنْصِبُ المضارعَ . وقد يقال : إنَّ هذا ليس بنصبٍ ، وإنما هو بقاءُ الفتحِ الذي كان قبل نونِ التوكيد ، بقي ليدُلَّ عليها ، ولكنه قولٌ مردودٌ .