ثم قال : { وَيَنصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً } غالباً . وقيل : مُعِزًّا ؛ لأن بالفتح ظهر{[51613]} النصر{[51614]} .
فإن قيل : إنَّ الله تعالى وصف النَّصْر بكونه عزيزاً والعزيز من له النصر !
أحدهما : قال الزمخشري : إنه يحتمل وجوهاً ثلاثة :
الأول : معناه نصراً ذا عزة ، كقوله : { فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] أي ذَاتِ رِضاً .
الثاني : وصف النصر بما يوصف به المنصور إسناداً مجازياً يقال لَهُ كَلاَمٌ صَادِقُ كما يقال له متكلم صادق .
الثالث : المراد نصراً عزيزاً صَاحِبُهُ{[51615]} .
الوجه الثاني : أن يقال إنما يلزم ما ذكره الزمخشريُّ إذا قلنا : العزة هي الغلبة والعزيز الغالب . وأما إذا قلنا : العزيز هو النفيس القليل النظير ، أو المحتاج إليه القليل الوجود ، يقال : عَزَّ الشَّيْءُ في سُوقِ كَذَا أي قَلَّ وُجُودُهُ مع أنه مُحْتَاج إليه ، فالنصرُ كان محتاجاً إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت الله من الكفار المقيمين{[51616]} فيه من غير عَددَ ولا عُدَدٍ{[51617]} .
وهو أن الله تعالى لما قال : { لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } أبرز الفاعل وهو الله ، ثم عطف عليه بقوله : «ويُتِمّ » وبقوله : «ويَهْدِيكَ » ولم يذكر لفظ الله على الوجه الحسن في الكلام وهو أن الأفعال الكثيرة إذا صدرت من فاعل يظهر اسمه في الفعل ، ولا يظهر فيما بعد تقول : «جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَدَ وَتَكَلََّمَ وَرَاحَ وَقَامَ » ولا تقول جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَدَ زَيْدٌ ، بَلْ جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَد ، اختصاراً للكلام بالاقتصار على الأوّل ، وههنا لم يقل : «وَيَنْصُرَكَ نَصْراً » بل أعاد لفظ الله وجوابه هذا إرشاد إلَى طريق النَّصر ولهذا قَلَّمَا ذَكَرَ الله النَّصْرَ من غير إضافة فقال تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ } [ الحج : 40 ] ولم يقل : بالنَّصْر يُنْصَرُ وقال : { هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ } [ الأنفال : 62 ] ولم يقل : أيدك بالنصر ، وقال : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح } وقال : { نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } [ الصف : 13 ] ، وقال : { وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله } [ آل عمران : 126 ] ، وهذا أدل الآيات على مطلوبها . وتحقيقه هو أن النصر بالصبر والصبر بالله قال تعالى : { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله } [ النحل : 127 ] وذلك لأن الصبر سكون القلب واطمئنانه وذلك بذكر الله ( تعالى ){[51618]} كما قال تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب } [ الرعد : 28 ] فلما قال ههنا : «وَيَنْصُركَ اللهُ » أظهر لفظ الله ، ليُعْلَمَ أن بذكر الله اطمئنان القلب وبه يحصل الصبر وبه يتحقق النصر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.