اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا} (3)

ثم قال : { وَيَنصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً } غالباً . وقيل : مُعِزًّا ؛ لأن بالفتح ظهر{[51613]} النصر{[51614]} .

فإن قيل : إنَّ الله تعالى وصف النَّصْر بكونه عزيزاً والعزيز من له النصر !

فالجواب من وجهين :

أحدهما : قال الزمخشري : إنه يحتمل وجوهاً ثلاثة :

الأول : معناه نصراً ذا عزة ، كقوله : { فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] أي ذَاتِ رِضاً .

الثاني : وصف النصر بما يوصف به المنصور إسناداً مجازياً يقال لَهُ كَلاَمٌ صَادِقُ كما يقال له متكلم صادق .

الثالث : المراد نصراً عزيزاً صَاحِبُهُ{[51615]} .

الوجه الثاني : أن يقال إنما يلزم ما ذكره الزمخشريُّ إذا قلنا : العزة هي الغلبة والعزيز الغالب . وأما إذا قلنا : العزيز هو النفيس القليل النظير ، أو المحتاج إليه القليل الوجود ، يقال : عَزَّ الشَّيْءُ في سُوقِ كَذَا أي قَلَّ وُجُودُهُ مع أنه مُحْتَاج إليه ، فالنصرُ كان محتاجاً إليه ومثله لم يوجد وهو أخذ بيت الله من الكفار المقيمين{[51616]} فيه من غير عَددَ ولا عُدَدٍ{[51617]} .

فصل في البحث المعنوي

وهو أن الله تعالى لما قال : { لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } أبرز الفاعل وهو الله ، ثم عطف عليه بقوله : «ويُتِمّ » وبقوله : «ويَهْدِيكَ » ولم يذكر لفظ الله على الوجه الحسن في الكلام وهو أن الأفعال الكثيرة إذا صدرت من فاعل يظهر اسمه في الفعل ، ولا يظهر فيما بعد تقول : «جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَدَ وَتَكَلََّمَ وَرَاحَ وَقَامَ » ولا تقول جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَدَ زَيْدٌ ، بَلْ جَاءَ زَيْدٌ وَقَعَد ، اختصاراً للكلام بالاقتصار على الأوّل ، وههنا لم يقل : «وَيَنْصُرَكَ نَصْراً » بل أعاد لفظ الله وجوابه هذا إرشاد إلَى طريق النَّصر ولهذا قَلَّمَا ذَكَرَ الله النَّصْرَ من غير إضافة فقال تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ } [ الحج : 40 ] ولم يقل : بالنَّصْر يُنْصَرُ وقال : { هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ } [ الأنفال : 62 ] ولم يقل : أيدك بالنصر ، وقال : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح } وقال : { نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } [ الصف : 13 ] ، وقال : { وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله } [ آل عمران : 126 ] ، وهذا أدل الآيات على مطلوبها . وتحقيقه هو أن النصر بالصبر والصبر بالله قال تعالى : { وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله } [ النحل : 127 ] وذلك لأن الصبر سكون القلب واطمئنانه وذلك بذكر الله ( تعالى ){[51618]} كما قال تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب } [ الرعد : 28 ] فلما قال ههنا : «وَيَنْصُركَ اللهُ » أظهر لفظ الله ، ليُعْلَمَ أن بذكر الله اطمئنان القلب وبه يحصل الصبر وبه يتحقق النصر .

/خ3


[51613]:في ب حصل.
[51614]:قاله الرازي أيضا في مرجعه السابق.
[51615]:بلفظ الرازي 28/79 وبمعنى كلام الزمخشري فقد قال: "نصرا عزيزا فيه عز ومنعة، أو وصف بصفة المنصور إسنادا مجازيا، أو عزيزا صاحبة" الكشاف 3/541.
[51616]:في الرازي المقيمين.
[51617]:مع تغيير طفيف في عبارة الرازي. وانظر التفسير الكبير 28/78 و79.
[51618]:زيادة من أ.