الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (5)

قوله : { لِّيُدْخِلَ } : في متعلَّق هذه اللامِ أربعةُ أوجهٍ ، أحدها : محذوفٌ تقديرُه : يَبْتَلي بتلك الجنود مَنْ شاء فيقبلُ الخيرَ مِمَّنْ أهَّله له ، والشرَّ مِمَّنْ قضى له به ليُدْخِلَ ويُعَذِّب . الثاني : أنها متعلقةٌ بقولِه : " إنَّا فَتَحْنا " . الثالث : أنَّها متعلقةٌ ب " يَنْصُرَك " . الرابع : أنها متعلقة ب " يَزْدادوا " . واسْتُشْكل هذا : بأنَّ قولَه تعالى : " ويُعَذِّبَ " عطفٌ عليه ، وازديادُهم الإِيمانَ ليس مُسَبَّباً عن تعذيبِ اللَّهِ الكفارَ . وأجيب : بأنَّ اعتقادَهم أنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الكفارَ يزيدُ في إيمانِهم لا محالة . وقال الشيخ : " والازديادُ لا يكونُ سبباً لتعذيب الكفارِ . وأُجيب : بأنَّه ذُكِر لكونِه مقصوداً للمؤمنِ . كأنه قيل : بسببِ ازديادِكم في الإِيمانُ يُدْخِلُكم الجنة ، ويُعَذِّبُ الكفار بأيديكم في الدنيا " . وفيه نظرٌ ؛ كان ينبغي أن يقولَ : لا يكونُ مُسَبَّباً عن تعذيب الكفارِ ، وهذا يُشْبِهُ ما تقدَّم في { لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ } [ الفتح : 2 ] .

قوله : " عندَ الله " متعلقٌ بمحذوفٍ ، على أنه حال مِنْ " فوزاً " لأنَّه صفتُه في الأصل . وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكون ظرفاً لمكانٍ ، وفيه خلافٌ ، وأَنْ يكونَ ظرفاً لمحذوفٍ دَلَّ عليه الفوز أي : يفوزون عند اللَّهِ . ولا يتعلَّق ب " فَوْزاً " لأنَّه مصدرٌ ؛ فلا يتقدَّم معمولُه عليه . ومَنْ اغْتَفَر ذلك في الظرفِ جَوَّزَه .