الآية 3 وقوله تعالى : { وينصرك الله نصرا عزيزا } يحتمل أن ينصرك نصرا عزيزا بالغلبة عليهم والقهر والظّفر لا صُلحًا ولا مُواعدةً .
وعلى ذلك يخرّج قول أهل التأويل : { نصرا عزيزا } لا يُستذلّ ، ولا يُسترذلُ .
وظاهر الآية ليس على ذلك لأنه [ قاله على إثر قوله ]{[19509]} : { ليغفر لك الله } لأن الخيرات والحسنات تكن سببا للمغفرة .
فجائز أن يكون ما ذكر من الفتح له والمغفرة هذا لا لما ذكره إلا أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل عن الفتح لما أقدم على أسباب الفتح ، وهو القتال مع الكفرة ونحو ذلك ، وذلك من الخيرات التي تكون سبب المغفرة . إلا أن الله تعالى أضاف الفتح إلى نفسه [ بقوله : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } لما أنه هو الخالق لتلك الأسباب والمُنشئ لعمل الجهاد ]{[19510]} والقتال معه ، والله أعلم .
ويحتمل أن يكون ما ذكر من الفتح له هو أن الله جعل رسوله بحيث لا يخطّ بيده خطًّا ، ولا يكتب كتابا ، ولا يفهم كتابة ، وهو ما وصفه الله ، جل ، وعلا ، بقوله : { وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخُطّه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } [ العنكبوت : 48 ] لدفع ارتياب المبطلين فيه على [ ما ]{[19511]} ذكر .
ثم مع أنه جعله هذا أحوج جميع حكماء الخلق إليه ، وأحوج أيضا جميع أهل الكتب السالفة إليه في معرفة ما ضمّن كتابه المنزّل عليه ، وجعله رسولا إليهم ، فيكون كأنه قال : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } [ النبوّة ]{[19512]} والحكمة وأنواع العلوم والخيرات والحسنات { ليغفر لك } أي إنما فتح لك ما ذكر ليغفر لك { ويُتمّ نعمته عليك } من النبوّة والحكمة وإظهار دينه على الأديان كلها { ويهديك صراطا مستقيما } { وينصرك الله نصرا عزيزا } أعطاه ما ذكرنا ، وذلك كله النصر العزيز ، والله أعلم .
وجائز أن يكون قوله { ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر } أي ما تقدّم من ذنب أمّتك وما تأخّر من ذنبهم على ما قال بعض أهل التأويل { ويُتمّ نعمته } عليهم من أنواع الخيرات والأمن لهم والإياس لأولئك الكفرة عنهم ، ويهديهم صراطا مستقيما ، وينصرهم نصرا عزيزا ؛ أي فتحنا لك ما ذكر ليكون لأمتك ما ذكرنا من المغفرة لهم وإتمام النعمة والهداية لهم الصراط المستقيم والنصر لهم النصر العزيز ، أي نصرا يُعزّون به في حياتهم وبعد وفاتهم في الدنيا والآخرة ، والله أعلم .
ومن الناس من يقول : إن الله ، جلّ ، وعلا ، امتحن رسوله عليه السلام في الابتداء بالخوف حين قال : ( وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم ) [ أحمد 1/237 ] وجد النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وجْدًا شديدا ، ونز بعده { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } إلى آخره .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : ( نزلت عليّ آية أحبّ إلي مما على الأرض ) [ ابن أبي شيبة في المصنف 14/501 ] ثم قرأها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : هنيئا مريئا لك يا نبيّ الله قد بيّن الله لك ما يفعل بك ، ولم يبين ماذا يفعل بنا ، فنزل قوله تعالى : { ليُدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } الآية [ الفتح : 5 ] والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.