الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (46)

قوله : { وَقَوْمَ نُوحٍ } : قرأ الأخَوان وأبو عمرو بجرِّ الميم ، والباقون/ بنصبها . وأبو السَّمَّال وابن مقسم وأبو عمرو في روايةِ الأصمعيِّ " وقومُ " بالرفع . فأمَّا الخفضُ ففيه أربعةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه معطوفٌ على " وفي الأرض " . الثاني : أنه معطوفٌ على " وفي موسى " الثالث : أنه معطوفٌ على " وفي عاد " . الرابع : أنه معطوفٌ على " وفي ثمودَ " ، وهذا هو الظاهرُ لقُرْبِه وبُعْدِ غيرِه . ولم يذكرْ الزمخشريُّ غيرَه فإنه قال : " وقُرِىء بالجرِّ على معنى " وفي قوم نوح " . ويُقَوِّيه قراءةُ عبد الله " وفي قوم نوح " . ولم يَذْكُرْ أبو البقاء غيرَ الوجهِ الأخيرِ لظهورِه .

وأمّا النصبُ ففيه ستةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ أي : وأهلَكْنا قومَ نوح ؛ لأنَّ ما قبلَه يَدُلُّ عليه . الثاني : أنه منصوبٌ ب اذْكُرْ مقدراً ، ولم يَذْكُرْ الزمخشريُّ غيرَهما . الثالث : أنَّه منصوبٌ عطفاً على مفعول " فأَخَذْناه " . الرابع : أنه معطوفٌ على مفعول { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ } وناسَبَ ذلك أنَّ قومَ نوح مُغْرقون من قبلُ . لكنْ يُشْكِلُ أنَّهم لم يَغْرَقوا في اليمِّ . وأصلُ العطفِ أَنْ يقتضيَ التشريكَ في المتعلَّقات . الخامس : أنَّه معطوفٌ على مفعولِ " فَأَخَذَتْهم الصاعقةُ " . وفيه إشكالٌ ؛ لأنهم لم تأخُذْهم الصاعقةُ ، وإنما أُهْلكوا بالغَرَقِ . إلاَّ أَنْ يُرادَ بالصاعقةِ الداهيةُ والنازلةُ العظيمة من أيِّ نوع كانت ، فيَقْرُبُ ذلك . السادس : أنه معطوفٌ على محلِّ " وفي موسى " ، نقله أبو البقاء وهو ضعيفٌ .

وأما الرفعُ على الابتداءِ والخبرُ مقدَّرٌ أي : أهلَكْناهم . وقال أبو البقاء : " والخبرُ ما بعدَه " يعني مِنْ قولِه : إنهم كانوا قوماً فاسقين . ولا يجوز أَنْ يكونَ مرادُه قولَه : " من قبلُ " ؛ إذ الظرفُ ناقصٌ فلا يُخبَرُ به .