الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَفِي مُوسَىٰٓ إِذۡ أَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (38)

قوله : { وَفِي مُوسَى } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : وهو الظاهر أنه عطفٌ على قولِه : " فيها " بإعادةِ الجارِّ ؛ لأن المعطوفَ عليه ضميرٌ مجرورٌ فيتعلَّقُ ب " تَرَكْنا " من حيث المعنى ، ويكونُ التقديرُ : وتَرَكْنا في قصةِ موسى آيةً . هذا معنىً واضحٌ . والثاني : أنه معطوفٌ على قولِه : { وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ } [ الذاريات : 20 ] أي : وفي الأرضِ وفي موسى آياتٌ للموقِنين ، قاله الزمخشري وابنُ عطية . قال الشيخُ : " وهذا بعيدٌ جداً يُنَزَّه القرآنُ عن مثلِه " . قلت : ووجهُ استبعادِه له : بُعْدُ ما بينهما ، وقد فعل أهلُ العلمِ هذا في أكثرَ من ذلك . الثالث : أنه متعلقٌ ب " جَعَلْنا " مقدرةً لدلالةِ " وتَرَكْنا " . قال الزمخشري : " أو على قولِه يعني أو يُعْطَفُ على قولِ وترَكْنا فيها آيةً على معنى : وجَعَلْنا في موسى آيةً كقوله :

فَعَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال الشيخ : " ولا حاجةَ إلى إضمار " وجَعَلْنا " لأنه قد أمكن أَنْ يكونَ العامل في المجرور " وتَرَكْنا " . قلت : والزمخشريُّ إنما أراد الوجهَ الأولَ بدليلِ قوله : " وفي موسى معطوفٌ على " وفي الأرض " أو على قوله : " وتركْنا فيها " . وإنما قال : " على معنى " من جهةِ تفسيرِ المعنى لا الإِعراب ، وإنما أظهر الفعلَ تنبيهاً على مغايرة الفعلَيْن . يعني : أن هذا التركَ غيرُ ذاك التركِ ، ولذلك أبرزَه بمادةِ الجَعْلِ دون مادة التركِ لتظهرَ المخالفةُ .

قوله : { إِذْ أَرْسَلْنَاهُ } يجوز في هذا الظرفِ ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أَنْ يكونَ منصوباً بآية على الوجهِ الأول أي : تركنا في قصة موسى علامةً في وقتِ إرْسالِنا إياه . والثاني : أنَّه متعلقٌ بمحذوفٍ لأنَّه نعتٌ لآية أي : آيةً كائنةً في وقتِ إرْسالِنا . الثالث : أنه منصوبٌ ب " تَرَكْنا " .

قوله : { بِسُلْطَانٍ } يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفس الإِرسال ، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ : إمَّا مِنْ موسى ، وإمَّا مِنْ ضميرِه أي : ملتبساً بسلطان ، وهي الحُجَّةُ .