نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (46)

ولما أتم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإهلاك وهو الصاعقة ، أتبعهم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإحياء ، وهو الماء الذي جل ما يشتمل عليه الحلامات التي أثارتها الذاريات ، وقد كانوا موجودين{[61432]} في الأرض والسماء - وأسبابه مهيأة - وهم لا يحسون بشيء من ذلك ، وأما عبادنا المؤمنون{[61433]} فهيأنا لهم أسباب النجاة من السفينة وغيرها ، وأعلمناهم بها ، فكان كل ما أردنا وقاله عنا أولياؤنا فقال مغيراً للأسلوب تنبيهاً على العظمة بنفس الإهلاك لكونه بما من شأنه الإحياء والإبقاء والتصرف في الأسباب : { وقوم } أي وأهلكنا قوم { نوح } على ما كان فيهم من الكثرة وقوة المحاولة والقيام بما يريدونه ، ويجوز أن يكون معطوفاً على " فيها " أي وتركناهم آية ، ويحسن هذا الإعراب أنهم هلكوا جميعاً وكانوا جميع أهل الأرض ، وعم عذابهم جميع الأرض ، كانوا لهم الآية ، ويؤيد هذا الإعراب قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي{[61434]} بالجر عطفاً على ضمير " فيها " .

ولما كان إهلاكهم على عظمه وانتشاره في بعض الزمان ، أدخل الجارّ فقال : { من قبل } أي قبل هذه الأمم كلها ، ثم علل إهلاكهم بقوله : { إنهم كانوا } خلقاً وطبعاً ، لا حيلة لغيرنا من أهل الأسباب في صلاحهم { قوماً } أي أقوياء { فاسقين * } أي عريقين في الخروج عن حظيرة الدين


[61432]:في الأصل: موجودا.
[61433]:في الأصل: المومنين.
[61434]:راجع نثر المرجان 8/45.