الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ثُلَّةٞ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ} (13)

قوله : { ثُلَّةٌ } : خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، أي : هم . ويجوزُ أَنْ يكونَ مبتدأ خبرُه مضمرٌ ، أي : منهم ثُلَّةٌ ، أي : من السابقين يعني : أن التقسيمَ وقع في السابقين ، وأَنْ يكونَ مبتدأً خبرُه { فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } أو قولُه " على سُرُر " فهذه أربعةُ أوجهٍ .

والثُّلَّة : الجماعةُ من الناس . وقَيَّدها الزمخشريُّ بالكثيرة وأنشد :

وجاءَتْ إليهم ثُلَّةٌ خِنْدِفِيَّةٌ *** بجيشٍ كتَيَّارٍ مِنْ البحرِ مُزْبِدِ

ولم يُقَيِّدْها غيرُه ، بل صَرَّح بأنها الجماعة قلَّت أو كَثُرَتْ . وقال الراغب : " الثُّلَّةُ قطعةٌ مجتمعةٌ من الصوف ، ولذلك قيل للغنم : ثَلَّة . قلت : يعني بفتح الثاء ، ومنه قولُه :

أَمْرَعَتِ الأرضُ لَوَ أنَّ مالا *** لَوْ أن نُوْقاً لك أو جِمالا

أو ثَلَّةً مِنْ غنم إمَّا لا ***

انتهى . ثم قال الراغب : " ولاعتبار الاجتماع قيل : " ثُلَّة من الأوَّلين ، وثُلَّة من الآخِرين " ، أي : جماعة وثَلَّلْتُ كذا : تناوَلْتُ ثُلَّةً منه . وثَلَّ عرشَه : أسقطَ ثُلَّة منه . والثَّلَلُ : قِصَرُ الأسنانِ لسُقوط ثُلَّةٍ منها . وأثَلَّ فَمُه سَقَطَتْ أسنانُه . وتَثَلَّلَتِ الرَّكِيَّةُ : تَهَدَّمَتْ " انتهى . فقد أطلق أنها الجماعة من غيرِ قَيْدٍ بقِلَّة ولا كثرةٍ ، والكثرةُ التي فهمها الزمخشريُّ قد تكونُ من السِّياق . و " مِنْ الأوَّلِين " صفةٌ لثُلَّة ، وكذلك " مِنْ الآخِرين " صفةٌ لقليل .