الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

قوله : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } : فيه أوجهٌ : أحدُها : أنهما مبتدأٌ وخبرٌ . وفي ذلك تأويلان ، أحدهما : أنه بمعنى السابقون ، هم الذي اشْتُهِرَتْ حالُهم بذلك كقولِهم : أنت أنت ، والناسُ الناسُ ، وقولِه :

أنا أبو النجمِ وشِعْري شِعْري ***

وهذا يُقال في تعظيمِ الأمرِ وتفخيمهِ ، وهو مذهبُ سُيبويه .

التأويل الثاني : أنَّ مُتَعلَّقَ السَّبْقَتْينِ مختلفٌ ، إذ التقدير : والسابقونَ إلى الإِيمانِ السابقونَ إلى الجنة ، / أو السابقونَ إلى طاعةِ اللَّهِ السابقون إلى رحمتِه ، أو السابقون إلى الخيرِ السابقون إلى الجنة .

الوجه الثاني : أَنْ يكونَ " السابقون " الثاني تأكيداً للأول تأكيداً لفظيَّاً ، و " أولئك المقرَّبون " جملةٌ ابتدائيةٌ في موضوع خبرِ الأولِ ، والرابطُ اسمُ الإِشارةِ ، كقولِه تعالى : { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ } [ الأعراف : 26 ] في قراءة مَنْ قرأ برفع " لباسُ " في أحد الأُوجه .

الثالث : أَنْ يكونَ " السابقون " نعتاً للأول ، والخبرُ الجملةُ المذكورةُ . وهذا ينبغي أَنْ لا يُعَرَّجَ عليه ، كيف يُوْصَفُ الشيءُ بلفِظه وأيُّ فائدةٍ في ذلك ؟ والأقربُ عندي إنْ وَرَدَتْ هذه العبارةُ مِمَّن يُعتبر أَنْ يكون سَمَّى التأكيدَ صفةً ، وقد فعل سيبويه قريباً من هذا .

الرابع : أَنْ يكونَ الوقفُ على قولِه " والسابقون " ويكونَ قولُه " السابقون ، أولئك المقرَّبون " ابتداءً وخبراً ، وهذا يقتضي أن يُعْطَفَ " والسابقون " على ما قبلَه ، لكنْ لا يليق عَطْفُه على ما قبلَه ويليه ، وإنما يليقُ عطفُه على " أصحابُ المَيْمنة " كأنه قيل : وأصحابُ الميمنة ما أصحابُ الميمنة ، والسابقون ، أي : ما السابقون تعظيماً لهم ، فيكون شركاءَ لأصحابِ الميمنة في التعظيم ، ويكون قولُه على هذا " وأصحابُ المَشْأمَةِ ، ما أصحابُ المشأمة " اعتراضاً بين المتعاطفَيْن . وفي هذا الوجهِ تكلُّفٌ كثير جداً .