الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَلَوۡلَآ إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ مَدِينِينَ} (86)

و { إِن كُنتُمْ } : شرطٌ جوابُه محذوفٌ عند البَصْريين لدلالةِ " فلولا " عليه أو مقدَّمٌ عند مَنْ يرى ذلك ، كما تقدَّمَ تقريرُه . والحُلْقُوْمُ : مَجْرى الطعامِ . و " مَدِيْنين " أي : مَسُوسين ، أو محاسَبين ، أو مجازِين . وقد تقدَّم ذلك أولَ الفاتحة ولله الحمدُ . وهذا ما تلخص في الآية الكريمة محرَّراً . وقال أبو البقاء : " وتَرْجِعونها جوابُ " لولا " الأولى ، وأغنى ذلك عن جوابِ الثانية وقيل عكسُ ذلك . وقيل : لولا الثانيةُ تكريرٌ " انتهى . وتسميةُ مثلِ هذا جواباً ليس بصحيح البتَة ؛ لأنَّ هذه تحضيضيةٌ لا جوابَ لها ، إنما الجوابُ للامتناعيةِ لوجودٍ نحو : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ } [ النساء : 83 ] .

وقال ابن عطية : " وقولُه : " تَرْجِعونها " سَدَّ مَسَدَّ الأجوبةِ والبياناتِ التي تَقْتَضيها التَّحْضيضاتُ ، و " إذا " مِنْ قولِه : " فلولا إذا " و " إنْ " المكررة ، وحَمَلَ بعضُ القولِ بعضاً إيجازاً " واقتضاباً " انتهى . فجعل " إذا " شرطيةً . وقولُه : " الأجوبة " يعني ل " إذا " ول " إنْ " ول " إنْ " في قولِه : { إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } ، { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . والبياناتُ يعني الأفعالَ التي حَضَّض عليها ، وهي عبارةٌ قَلِقَةٌ ، ولذلك فَسَّرْتُها .

قال الشيخ : " وإذا ليسَتْ شرطاً ؛ بل ظرفاً يعمل فيها " تَرْجعونها " المحذوفُ بعد " لولا " لدلالةِ " تَرْجِعونها " في التحضيض الثاني عليه ، فجاء التحضيضُ الأولُ مقيَّداً بوقتِ بلوغِ الحُلْقومِ . وجاء التحضيضُ الثاني مُعَلَّقاً على انتفاء مَرْبُوْبيَّتهم وهم لا يَقْدرون على رَجْعِها إذ مَرْبُوبِيَّتُهم موجودةٌ ، فهم مقْهورون لا قُدْرَةَ لهم " انتهى . فجعل " تَرْجِعونها " المذكورَ ل " لولا " الثانية ، وهو دالٌّ على محذوفٍ بعد الأولى ، وهو أحد الأقوالِ التي نَقَلها أبو البقاء فيما تقدم .