الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَتَجۡعَلُونَ رِزۡقَكُمۡ أَنَّكُمۡ تُكَذِّبُونَ} (82)

قوله : { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه على التهكُّم بهم ؛ لأنهم وَضَعوا الشيءَ غيرَ موضعِه كقولك : " شَتَمني حيث أَحْسَنْتُ إليه " أي : عَكَسَ قضيةَ الإِحسانِ ومنه :

كأن شُكْرَ القَوْمِ عند المِنَنِ *** *** كيُّ الصَحيحاتِ وفَقْءُ الأعينِ

أي : شُكْرَ رِزْقِكم تكذيبَكم ، الثاني : أنَّ ثَمَّ مضافَيْنِ محذوفَيْنِ ، أي : بَدَل شُكْرِ رِزْقكم ليَصِحَّ المعنى قاله جمال الدين بن مالك ، وقد تقدَّم لك في قولِه :

{ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ }

[ النجم : 9 ] أكثرُ من هذا . الثالث : أنَّ الرِّزْقَ هو الشُّكْرُ في لغةِ أزدِ شنوءة : ما رَزَقَ فلانٌ فلاناً أي : ما شكره ، فعلى هذا لا حَذْفَ البتةَ ، ويُؤَيِّدُهُ قراءةُ علي بنِ أبي طالب وتلميذِه عبد الله بن عباس رضي الله عنهم " وتَجْعَلون شُكْرَكم " مكان " رِزْقَكم " .

وقرأ العامَّةُ " تُكَذِّبون " من التكذيب . وعلي رضي الله عنه وعاصمٌ في رواية المفضل عنه " تَكْذِبون " مخففاً من الكَذِب .