الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَٰغِرِينَ} (119)

قوله تعالى : { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ } : " هنالك يجوز أن يكونَ مكاناً ، أي : غُلبوا في المكان الذي وَقَع فيه سحرهم ، وهذا هو الظاهر . قيل : ويجوز أن يكونَ زماناً ، وهذا ليس أصلَه ، وقد أثبت له بعضهم هذا المعنى بقولِه تعالى : { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ } [ الأحزاب : 11 ] وبقول الآخر :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فهناك يَعْترفون أين المَفْزَعُ

ولا حُجَّةَ فيهما ؛ لأن المكان فيهما واضح .

قوله : { صَاغِرِينَ } حالٌ من فاعل " انْقَلبوا " ، والضمير في " انقلبوا " يجوز أن يعودَ على قومِ فرعون ، وعلى السَّحَرة إذا جعلنا الانقلابَ قبل إيمان السحرة ، أو جعلنا انقلبوا بمعنى صاروا ، كما فسَّره الزمخشري ، أي : " صاروا أَذِلاَّء مَبْهوتين متحيِّرين " ويجوز أَنْ يعودَ عليهم دون السَّحَرة إذا كان ذلك بعد إيمانهم ، ولم يُجعل " انقلبوا " بمعنى صاروا ، لأنَّ الله لا يَصِفُهم بالصَّغار بعد إيمانهم .