ثنى الشيء ثنياً طواه ، يقال : ثنى عطفه ، وثنى صدره ، وطوى كشحه .
نزلت في الأخنس بن شريق ، كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلف أنه ليحبه ويضمر خلاف ما يظهر قاله ابن عباس .
وعنه أيضاً : في ناس كانوا يستحيون أن يفضوا إلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء .
وقيل : في بعض المنافقين ، كان إذا مر بالرسول صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كي لا يرى الرسول قاله : عبد الله بن شدّاد .
وقيل : في طائفة قالوا إذا أغلقنا أبوابنا ، وأرخينا ستورنا ، واستغشينا ثيابنا ، وثنينا صدورنا ، على عداوته كيف يعلم بنا ؟ ذكره الزجاج .
وقيل : فعلوا ذلك ليبعد عليهم صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يدخل أسماعهم القرآن ذكره ابن الأنباري .
ويثنون مضارع ثنى قراءة الجمهور .
وقرأ سعيد بن جبير : يثنون بضم الياء مضارع أثنى صدورهم بالنصب .
قال صاحب اللوامح : ولا يعرف الاثناء في هذا الباب إلا أن يراد به وجدتها مثنية مثل أحمدته وأمجدته ، ولعله فتح النون وهذا مما فعل بهم ، فيكون نصب صدورهم بنزع الجار ، ويجوز على ذلك أن يكون صدورهم رفعاً على البدل بدل البعض من الكل .
وقال أبو البقاء : ماضية أثنى ، ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال معناه : عرضوها للاثناء ، كما يقال : أبعت الفرس إذا عرضته للبيع .
وقرأ ابن عباس ، وعلي بن الحسين ، وابناه زيد ومحمد ، وابنه جعفر ، ومجاهد ، وابن يعمر ، ونصر بن عاصم ، وعبد الرحمن بن ابزي ، والجحدري ، وابن أبي إسحاق ، وأبو الأسود الدؤلي ، وأبو رزين ، والضحاك : تثنوني بالتاء مضارع اثنوني على وزن افعوعل نحو اعشوشب المكان صدورهم بالرفع ، بمعنى تنطوي صدورهم .
وقرأ أيضاً ابن عباس ، ومجاهد ، وابن يعمر ، وابن أبي إسحاق : يثنوني بالياء صدورهم بالرفع ، ذكر على معنى الجمع دون الجماعة .
وقرأ ابن عباس أيضاً ليثنون بلام التأكيد في خبر إنْ ، وحذف الياء تخفيفاً وصدورهم رفع .
وقرأ ابن عباس أيضاً ، وعروة ، وابن أبي أبزي ، والأعشى : يثنون ووزنه يفعوعل من الثن ، بنى منه افعوعل وهو ما هش وضعف من الكلأ ، وأصله يثنونن يريد مطاوعة نفوسهم للشيء ، كما ينثني الهش من النبات .
أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم وصدورهم بالرفع .
وقرأ عروة ومجاهد أيضاً : كذلك إلا أنه همز فقرأ يثنئن مثل يطمئن ، وصدورهم رفع ، وهذه مما استثقل فيه الكسر على الواو كما قيل : أشاح .
وقد قيل أن يثنئن يفعئل من الثن .
المتقدّم ، مثل تحمارّ وتصفارّ ، فحركت الألف لالتقائهما بالكسر ، فانقلبت همزة .
وقرأ الأعشى : يثنؤون مثل يفعلون مهموز اللام ، صدورهم بالنصب .
قال صاحب اللوامح : ولا أعرف وجهه لأنه يقال : ثنيت ، ولم أسمع ثنأت .
ويجوز أنه قلب الياء ألفاً على لغة من يقول : أعطأت في أعطيت ، ثم همز على لغة من يقول :
{ ولا الضالين } وقرأ ابن عباس : يثنوي بتقديم الثاء على النون ، وبغير نون بعد الواو على وزن ترعوي .
قال أبو حاتم : وهذه القراءة غلط لا تتجه انتهى .
وإنما قال ذلك لأنه لاحط الواو في هذا الفعل لا يقال : ثنوته فانثوى كما يقال : رعوته أي كففته فارعوى فانكف ، ووزنه أفعل .
وقرأ نضير بن عاصم ، وابن يعمر ، وابن أبي إسحاق : يثنون بتقديم النون على الثاء ، فهذه عشر قراآت في هذه الكلمة .
والضمير في أنهم عائد على بعض من بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار أي : يطوون صدورهم على عدواته .
قال الزمخشري : يثنون صدورهم يزوّرون عن الحق وينحرفون عنه ، لأنّ من أقبل على الشيء استقبله بصدره ، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه ليستخفوا منه ، يعني : ويريدون ليستخفوا من الله ، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم .
ونظير إضمار يريدون ، لعود المعنى إلى إضماره الإضمار في قوله تعالى : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } معناه : فضرب فانفلق .
ومعنى ألا حين : يستغشون ثيابهم ويريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم أيضاً كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام : { جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم } انتهى .
فالضمير في منه على قوله عائد على الله ، قال ابن عطية : وهذا هو الأفصح الأجزل في المعنى انتهى .
ويظهر من بعض أسباب النزول أنه عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عطية .
قال : قيل : إنّ هذه الآية نزلت في الكفار الذين كانوا إذا لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تطامنوا وثنوا صدورهم كالمتستر ، وردّوا إليه ظهورهم ، وغشوا وجوههم بثيابهم تباعداً منهم وكراهية للقائه ، وهم يظنون أنّ ذلك يخفى عليه أو عن الله تعالى فنزلت الآية انتهى .
فعلى هذا يكون ليستخفوا متعلقاً بقوله : يثنون ، وكذا قال الحوفي .
وقيل : هي استعارة للغل ، والحقد الذي كانوا ينطوون عليه كما تقول : فلان يطوي كشحه على عداوته ، ويثني صدره عليها ، فمعنى الآية : ألا إنهم يسرون العداوة ويتكتمون لها ، ليخفي في ظنهم عن الله عز وجل ، وهو تعالى حين تغشيهم بثيابهم وإبلاغهم في التستر يعلم ما يسرون انتهى .
فعلى هذا يكون حين معمولاً لقوله : يعلم ، وكذا قاله الحوفي لا للمضمر الذي قدره الزمخشري وهو قوله : ويريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم .
وقال أبو البقاء : ألا حين العامل في الظرف محذوف أي : ألا حين يستغشون ثيابهم يستخفون ، ويجوز أن يكون ظرفاً ليعلم .
وقيل : كان بعضهم ينحني على بعض ليساره في الطعن على المسلمين ، وبلغ من جهلهم أنّ ذلك يخفى على الله تعالى .
قال قتادة : أخفى ما يكون إذا حتى ظهره واستغشى ثوبه ، وأضمر في نفسه همته .
وقال مجاهد : يطوونها على الكفر .
وقال ابن عباس : يخفون ما في صدورهم من الشحناء .
وقال قتادة : يخفون ليسمعوا كلام الله .
وقال ابن زيد : يكتمونها إذا ناجى بعضهم بعضاً في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقيل : يثنونها حياءً من الله تعالى ، ومعنى يستغشون : يجعلونها أغشية .
أرعى النجوم وما كلفت رعيتها *** وتارة أتغشى فضل أطماري
وقيل : المراد بالثياب الليل ، واستعيرت له لما بينهما من العلاقة بالستر ، لأن الليل يستر كما تستر الثياب ومنه قولهم : الليل أخفى للويل ، وقرأ ابن عباس : على حين يستغشون .
قال ابن عطية : ومن هذا الاستعمال قول النابغة :
على حين عاتبت المشيب على الصبا *** وقلت ألما أصح والشيب وازع
وقال ابن عباس : ما يسرون بقلوبهم ، وما يعلنون بأفواههم .
وقيل : ما يسرون بالليل وما يعلنون بالنهار .
وقال ابن الأنباري : معناه أنه يعلم سرائرهم كما يعلم مظهرانهم .
وقال الزمخشري : يعني أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم ، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم ، واستغشائهم بثيابهم ، ونفاقهم غير نافق عنده .
وقال صاحب التحرير : الذي يقتضيه سياق الآية أنه أراد بما يسرون ما انطوت عليه صدورهم من الشرك والنفاق والغل والحسد والبغض للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لأنّ ذلك كله من أعمال القلوب ، وأعمال القلوب خفيه جدًّا ، وأراد بما يعلنون ما يظهرونه من استدبارهم النبي صلى الله عليه وسلم وتغشية ثيابهم ، وسدّ آذانهم وهذه كلها أعمال ظاهرة لا تخفى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.