البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَقۡدُمُ قَوۡمَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَأَوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ} (98)

ويقال : قدم زيد القوم يقدم قدماً ، وقدوماً تقدمهم والمعنى : أنه يقدم قومه المغرقين إلى النار ، وكما كان قدوة في الضلال متبعاً كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه ، ويحتمل أن يكون قوله : برشيد بحميد ، العاقبة ، ويكون قوله : يقدم قومه ، تفسيراً لذلك وإيضاحاً أي : كيف يرشد أمر من هذه عاقبته ؟ وعدل عن فيوردهم إلى فأوردهم لتحقق وقوعه لا محالة ، فكأنه قد وقع ، ولما في ذلك من الإرهاب والتخويف .

أو هو ماض حقيقة أي : فأوردهم في الدنيا النار أي : موجبه وهو الكفر .

ويبعد هذا التأويل الفاء والورود في هذه الآية .

ورود الخلود وليس بورود الإشراف على الشيء والإشفاء كقوله : { ولما ورد ماء مدين } ويحتمل أن تكون النار تصيبه على إعمال الثاني لأنه تنازعه يقدم أي : إلى النار وفأوردهم ، فأعمل الثاني وحذف معمول الأول .

والهمزة في فأوردهم للتعدية ، ورد يتعدى إلى واحد ، فلما أدخلت الهمزة تعدى إلى اثنين ، فتضمن وارداً وموروداً .

ويطلق الورد على الوارد ، فالورد لا يكون المورود ، فاحتيج إلى حذف ليطابق فاعل بئس المخصوص بالذم ، فالتقدير : وبئس مكان الورد المورود ويعني به النار .

فالورد فاعل ببئس ، والمخصوص بالذم المورود وهي النار .

ويجوز في إعراب المورود ما يجوز في زيد من قولك : بئس الرجل زيد ، وجوز ابن عطية وأبو البقاء أن يكون المورود صفة للورد أي : بئس مكان الورد المورود النار ، ويكون المخصوص محذوفاً لفهم المعنى ، كما حذف في قوله : { فبئس المهاد } وهذا التخريج يبتني على جواز وصف فاعل نعم وبئس ، وفيه خلاف .

ذهب ابن السراج والفارسي إلى أن ذلك لا يجوز ، وقال الزمخشري : والورد المورود الذي وردوه شبهه بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء ، وشبه اتباعه بالواردة ، ثم قيل : بئس الورد الذي يردونه النار ، لأن الورد إنما يورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد ، والنار ضده انتهى .

وقوله : والورد المورود إطلاق الورد على المورود مجاز ، إذ نقلوا أنه يكون صدراً بمعنى الورود ، أو بمعنى الواردة من الإبل وتقديره : بئس الورد الذي يردونه النار ، يدل على أنّ المورود صفة للورد ، وأن المخصوص بالذم محذوف ، ولذلك قدّره النار .

وقد ذكرنا أن ذلك يبتني على جواز وصف فاعل بئس ونعم .

وقيل : التقدير بئس القوم المورود بهم هم ، فيكون الورد عنى به الجمع الوارد ، والمورود صفة لهم ، والمخصوص بالذم الضمير المحذوف وهو هم ، فيكون ذلك ذماً للواردين ، للا ذماً لموضع الورود .

والإشارة بقوله : في هذه إلى الدنيا وقد جاء مصرحاً بها في قصة هود ، ودل عليها قوله : ويوم القيامة ، لأنه الآخرة .