البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَسۡمَعُونَ} (65)

والله أنزل من السماء ماء قال أبو عبد الله الرازي : المقصود من القرآن أربعة : الإلهيات ، والنبوات ، والمعاد ، والقدر ، والأعظم منها الإلهيات فابتدأ في ذكر دلائلها بالأجرام الفلكية ، ثم بالإنسان ثم بالحيوان ، ثم بالنبات ثم بأحوال البحر والأرض ، ثم عاد إلى تقدير الإلهيات فبدأ بذكر الفلكيات انتهى ملخصاً .

وقال ابن عطية : لما أمره بتبيين ما اختلف فيه قص العبر المؤدية إلى بيان أمر الربوبية ، فبدأ بنعمة المطر التي هي أبين العبر ، وهي ملاك الحياة ، وهي في غاية الظهور ، ولا يختلف فيها عاقل انتهى .

ونقول : لما ذكر إنزال الكتاب للتبيين كان القرآن حياة الأرواح وشفاء لما في الصدور من علل العقائد ، ولذلك ختم بقوله : لقوم يؤمنون أي : يصدقون .

والتصديق محله القلب ، فكذا إنزال المطر الذي هو حياة الأجسام وسبب لبقائها .

ثم أشار بإحياء الأرض بعد موتها إلى إحياء القلوب بالقرآن ، كما قال تعالى : { أو من كان ميتاً فأحييناه } فكما تصير الأرض خضرة بالنبات نضرة بعد همودها ، كذلك القلب يحيا بالقرآن بعد أن كان ميتاً بالجهل .

وكذلك ختم بقوله : يسمعون هذا التشبيه المشار إليه ، والمعنى : سماع إنصاف وتدبر ، ولملاحظة هذا المعنى والله أعلم لم يختم بلقوم يبصرون ، وإن كان إنزال المطر مما يبصر ويشاهد .

وقال ابن عطية : وقوله يسمعون ، يدل على ظهور هذا المعتبر فيه وتبيانه ، لأنه لا يحتاج إلى نظر ولا تفكر ، وإنما يحتاج البتة إلى أن يسمع القول فقط .