والظاهر تعلق من ثمرات بتتخذون ، وكررت من للتأكيد ، وكان الضمير مفرداً راعياً لمحذوف أي : ومن عصير ثمرات ، أو على معنى الثمرات وهو الثمر ، أو بتقدير من المذكور .
وقيل : تتعلق بنسقيكم ، فيكون معطوفاً على مما في بطونه ، أو بنسقيكم محذوفة دل عليها نسقيكم المتقدمة ، فيكون من عطف الجمل ، والذي قبله من عطف المفردات إذا اشتركا في العامل .
وقيل : معطوف على الأنعام أي : ومن ثمرات النخيل والأعناب عبرة ، ثم بين العبرة بقوله : تتخذون .
وقال الطبري : التقدير ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون .
فحذف ما هو لا يجوز على مذهب البصريين ، وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون صفة موصوف محذوف كقوله : بكفي كان من أرمي البشر .
تقديره : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه انتهى .
وهذا الذي أجازه قاله الحوفي قال : أي وإن من ثمرات ، وإن شئت شيء بالرفع بالابتداء ، ومن ثمرات خبره انتهى .
بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم***إذا جرى منهم المزّاء والسكر
وقال الزمخشري : سميت بالمصدر من سكر سكراً وسكراً نحو : رشد رشداً ورشداً .
وجاءونا بهم سكر علينا . . . ***فأجلى اليوم والسكران صاحي
وقاله : ابن مسعود ، وابن عمر ، وأبو رزين ، والحسن ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وابن أبي ليلى ، والكلبي ، وابن جبير ، وأبو ثور ، والجمهور .
وهذه الآية مكية نزلت قبل تحريم الخمر ، ثم حرمت بالمدينة فهي منسوخة .
قال الحسن : ذكر الله نعمته في السكر قبل تحريم الخمر .
وقال ابن عباس : هو الخل بلغة الحبشة .
وقيل : العصير الحلو الحلال ، وسمي سكراً باعتبار مآله إذا ترك .
وقال أبو عبيدة : السكر الطعم ، يقال هذا سكر لك أي طعم ، واختاره الطبري قال : والسكر في كلام العرب ما يطعم .
جعلت أعراض الكرام سكراً ***أي : تنقلت بأعراضهم .
وقيل : هو من الخمر ، وأنه إذا ابترك في أعراض الناس فكأنه تخمر بها ، قاله الزمخشري ، وتبع الزجاج قال : يصف أنه يخمر بعيوب الناس ، وعلى هذه الأقوال لا نسخ .
وقال الزجاج : قول أبي عبيدة لا يصح ، وأهل التفسير على خلافه .
وقيل : السكر ما لا يسكر من الأنبذة ، وقيل : السكر النبيذ ، وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ثم يترك حتى يشتد ، وهو حلال عند أبي حنيفة إلى حد السكر انتهى .
وإذا أريد بالسكر الخمر فقد تقدم أنّ ذلك منسوخ ، وإذا لم نقل بنسخ فقيل : جمع بين العتاب والمنة .
يعني بالعتاب على اتخاذ ما يحرم ، وبالمنة على اتخاذ ما يحل ، وهو الخل والرب والزبيب والتمر .
وقال الزمخشري : ويجوز أن يجعل السكر رزقاً حسناً كأنه قيل : تتخذون منه ما هو سكر ورزق حسن انتهى .
فيكون من عطف الصفات ، وظاهر العطف المغايرة .
ولما كان مفتتح الكلام : وأن لكم في الأنعام لعبرة ، ناسب الختم بقوله : يعقلون ، لأنه لا يعتبر إلا ذوو العقول كما قال : { إن في ذلك لعبرة لأولي الألباب } > وانظر إلى الإخبار عن نعمة اللبن ونعمة السكر والرزق الحسن ، لما كان اللبن لا يحتاج إلى معالجة من الناس ، أخبر عن نفسه تعالى بقوله : نسقيكم .
ولما كان السكر والرزق الحسن يحتاج إلى معالجة قال : تتخذون ، فأخبر عنهم باتخاذهم منه السكر والرزق ، ولأمر ما عجزت العرب العرباء عن معارضته .
ولما ذكر تعالى المنة بالمشروب اللبن وغيره ، أتم النعمة بذكر عسل النحل .
ولما كانت المشروبات من اللبن وغيره هو الغالب في الناس أكثر من العسل ، قدم اللبن وغيره عليه ، وقدم اللبن على ما بعده لأنه المحتاج إليه كثيراً وهو الدليل على الفطرة .
ولذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم حين أسري به ، وعرض عليه اللبن والخمر والعسل ، وجاء ترتيبها في الجنة لهذه الآية قال تعالى : { وأنهاراً من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى } ففي إخراج اللبن من النعم والسكر ، والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ، والعسل من النحل ، دلائل باهرة على الألوهية والقدرة والاختيار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.