قال حضرمي : الضمير في { وإن كادوا } ليهود المدينة وناحيتها كحيي بن أخطب وغيره ، وذلك أنهم ذهبوا إلى المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء ، وإنما أرض الأنبياء الشام ، ولكنك تخاف الروم فإن كنت نبياً فاخرج إليها فإن الله سيحميك كما حمى غيرك من الأنبياء فنزلت ، وأخبر تعالى أنه لو خرج لم يلبثهم بعد { إلاّ قليلاً } .
وحكى النقاش أنه خرج بسبب قولهم وعسكر بذي الحليفة وأقام ينتظر أصحابه فنزلت ورجع .
قال ابن عطية : وهذا ضعيف لم يقع في سيرة ولا في كتاب يعتمد عليه ، وذو الحليفة ليس في طريق الشام من المدينة انتهى .
وقالت فرقة : الضمير لقريش قاله ابن عباس وقتادة ، واستفزازهم هو ما ذهبوا إليه من إخراجه من مكة كما ذهبوا إلى حصره في الشعب ، ووقع استفزازهم هذا بعد نزول الآية وضيقوا عليه حتى خرج واتبعوه إلى الغار ونفذ عليهم الوعيد في أن لم يلبثوا خلفه { إلاّ قليلاً } يوم بدر .
وقال الزجّاج حاكياً أن استفزازهم ما أجمعوا عليه في دار الندوة من قتله ، والأرض على هذا الدنيا .
وقال مجاهد : ذهبت قريش إلى هذا ولكنه لم يقع منها لأنه لما أراد تعالى استبقاء قريش وأن لا يستأصلها أذن لرسوله في الهجرة فخرج بإذنه لا بقهر قريش ، واستبقيت قريش ليسلم منها ومن أعقابها من أسلم قال : ولو أخرجته قريش لعذبوا .
ذهب مجاهد إلى أن الضمير في { يلبثون } لجميعهم .
وقال الحسن : { ليستفزونك } ليفتنونك عن رأيك .
وقال ابن عيسى : ليزعجونك ويستخفونك .
يطيع سفيه القوم إذ يستفزه . . . ***ويعصي حليماً شيبته الهزاهز
والظاهر أن الآية تدل على مقاربة استفزازه لأن يخرجوه ، فما وقع الاستفزاز ولا إخراجهم إياه المعلل به الاستفزاز ، ثم جاء في القرآن { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك } أي أخرجك أهلها .
وفي الحديث : « يا ليتني كنت فيها جذعاً إذ يخرجك قومك قال : أو مخرجي هم » الحديث فدل ذلك على أنهم أخرجوه .
لكن الإخراج الذي هو علة للاستفزاز لم يقع فلا تعارض بين الآيتين والحديث .
وقال أبو عبد الله الرازي : ما خرج بسبب إخراجهم وإنما خرج بأمر الله فزال التناقض انتهى .
{ ولا يلبثون } جواب قسم محذوف أي والله إن استفزوك فخرجت { لا يلبثون } ولذلك لم تعمل { إذاً } لأنها توسطت بين قسم مقدر ، والفعل فلا يلبثون ليست منصبة عليه من جهة الإعراب ، ويحتمل أن تكون { لا يلبثون } خبراً لمبتدأ محذوف يدل عليه المعنى تقديره ، وهم { إذاً لا يلبثون } فوقعت إذاً بين المبتدأ وخبره فألغيت .
وقرأ أُبيّ وإذا لا يلبثوا بحذف النون أعمل إذاً فنصب بها على قول الجمهور ، وبأن مضمرة بعدها على قول بعضهم وكذا هي في مصحف عبد الله محذوفة النون .
قال الزمخشري : فإن قلت : ما وجه القراءتين ؟ قلت : أما الشائعة فقد عطف فيها الفعل على الفعل وهو مرفوع لوقوعه خبر كاد ، والفعل في خبر كاد واقع موقع الاسم .
وأما قراءة أُبيّ ففيها الجملة برأسها التي هي وإذاً لا يلبثوا عطف على جملة قوله { وإن كادوا ليستفزونك } انتهى .
وقرأ عطاء { لا يلبثون } بضم الياء وفتح اللام والباء مشددة .
وقرأ يعقوب كذلك إلاّ أنه كسر الباء .
وقرأ الأخوان وابن عامر وحفص { خلافك } وباقي السبعة خلفك والمعنى واحد .
عفت الديار خلافهم فكأنما . . . ***بسط الشواطب بينهن حصيرا
وهذا كقوله { فرح المخلفون بمقعدهم } خلاف رسول الله أي خلف رسول الله في أحد التأويلات .
وقرأ عطاء بن أبي رباح : بعدك مكان خلفك ، والأحسن أن يجعل تفسيراً لخلفك لا قراءة لأنها لا تخالف سواد المصحف ، فأراد أن يبين أن خلفك هنا ليست ظرف مكان وإنما تجوز فيها فاستعملت ظرف زمان بمعنى بعدك .
وهذه الظروف التي هي قبل وبعد ونحوهما اطّرد إضافتها إلى أسماء الأعيان على حذف مضاف يدل عليه ما قبله ، في نحو خلفك أي خلف إخراجك ، أو جاء زيد قبل عمرو أي قبل مجيء عمرو ، وضحك بكر بعد خالد أي بعد ضحك خالد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.