البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا} (93)

الرُقِّي والرقى الصعود يقال : رقيت في السلم أرقى قال الشاعر :

أنت الذي كلفتني رقي الدرج . . . ***على الكلال والمشيب والعرج

وقرأ الجمهور : { من زخرف } وعبد الله من ذهب ، ولا تحمل على أنها قراءة لمخالفة السواد وإنما هي تفسير .

وقال مجاهد : كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيت في قراءة عبد الله من ذهب .

وقال الزجّاج : الزخرف الزينة وتقدم شرح الزخرف .

{ وفي السماء } على حذف مضاف ، أي في معارج السماء .

والظاهر أن { السماء } هنا هي المظلة .

وقيل : المراد إلى مكان عال وكل ما علا وارتفع يسمى سماء .

وقال الشاعر :

وقد يسمى سماء كل مرتفع . . . ***وإنما الفضل حيث الشمس والقمر

قيل : وقائل هذه هو ابن أبي أمية قال : لن نؤمن حتى تضع على السماء سلماً ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك منشور معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أن الأمر كما تقول ، ويحتمل أن يكون مجموع أولئك الصناديد قالوا ذلك وغيوا إيمانهم بحصول واحد من هذه المقترحات ، ويحتمل أن يكون كل واحد اقترح واحداً منها ونسب ذلك للجميع لرضاهم به أو تكون { أو } فيها للتفضيل أي قال كل واحد منهم مقالة مخصوصة منها ، وما اكتفوا بالتغيية بالرقي { في السماء } حتى غيوا ذلك بأن ينزل عليهم { كتاباً } يقرؤونه ، ولما تضمن اقتراحهم ما هو مستحيل في حق الله تعالى وهو أن يأتي { بالله والملائكة قبيلاً } أمره تعالى بالتسبيح والتنزيه عما لا يليق به ، ومن أن يقترح عليه ما ذكرتم فقال { سبحان ربي هل كنت إلاّ بشراً رسولاً } أي ما كنت إلاّ بشراً رسولاً أي من الله إليكم لا مقترحاً عليه ما ذكرتم من الآيات .

وقال الزمخشري : وما كانوا يقصدون بهذه الاقتراحات إلاّ العناد واللجاج ، ولو جاءتهم كل آية لقالوا هذا سحر كما قال عز وعلا { ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس } { ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون } وحين أنكروا .

الآية الباقية التي هي القرآن وسائر الآيات ، وليست بدون ما اقترحوه بل هي أعظم لم يكن انتهى وشق القمر أعظم من شق الأرض ونبع الماء من بين أصابعه أعظم من نبع الماء من الحجر .

وقرأ ابن كثير وابن عامر قال { سبحان ربي } على الخبر تعجب عليه الصلاة والسلام من اقتراحاتهم عليه ، ونزه ربه عما جوزوا عليه من الإتيان والانتقال وذلك في حق الله مستحيل { هل كنت إلاّ بشراً } مثلهم { رسولاً } ، والرسل لا تأتي إلاّ بما يظهره الله عليهم من الآيات وليس أمرها إليهم إنما ذلك إلى الله .