البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ} (78)

وقرأ الجمهور : { فَأَتْبَعَهمْ } بسكون التاء ، وأتبع قد يكون بمعنى تبع فيتعدى إلى واحد كقوله { فأتبعه الشيطان } وقد يتعدى إلى اثنين كقوله : وأتبعناهم ذرياتهم فتكون التاء زائدة أي جنوده ، أو تكون للحال والمفعول الثاني محذوف أي رؤساؤه وحشمه .

وقرأ أبو عمرو في رواية والحسن فاتَّبعَهم بتشديد التاء وكذا عن الحسن في جميع ما في القرآن إلا { فأتبعه شهاب ثاقب } والباء في بجنوده في موضع الحال كما تقول : خرج زيد بسلاحه أو الباء للتعدي لمفعول ثان بحرف جر ، إذ لا يتعدى اتبع بنفسه إلا إلى حرف واحد .

وقرأ الجمهور { فغشيهم من اليم ما غشيهم } على وزن فعل مجرد من الزيادة .

وقرأت فرقة منهم الأعمش فغشاهم من اليم ما غشاهم بتضعيف العين فالفاعل في القراءة الأولى { ما } وفي الثانية الفاعل الله أي فغشاهم الله .

قال الزمخشري : أو فرعون لأنه الذي ورط جنوده وتسبب لهلاكهم .

وقال { ما غشيهم } من باب الاختصار ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة ، أي { غشيهم } ما لا يعلم كَنَهَهُ إلاّ الله .

وقال ابن عطية : { ما غشيهم } إبهام أهول من النص على قدر ما ، وهو كقوله { إذ يغشى السدرة ما يغشى } والظاهر أن الضمير في { غشيهم } في الموضعين عائد على فرعون وقومه ، وقيل الأول على فرعون وقومه ، والثاني على موسى وقومه .

وفي الكلام حذف على هذا القول تقديره فنجا موسى وقومه ، وغرّق فرعون وقومه .

وقال الزجّاج : وقرئ وجنوده عطفاً على فرعون .