اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ} (78)

قوله : { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ } قال أبُو مسلم : يزعم رواة اللغة أنَّ " أتْبَعَهُمْ وتَبعَهُمْ " واحد ، وذلك جائز{[25879]} ويحتمل أن تكون الباء زائدة ، أي أتبَعَهُم فرعونُ جنوده{[25880]} كقوله : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي }{[25881]} ( أسْرَى بِعَبْدِهِ ){[25882]} {[25883]} {[25884]} .

وقال غيره{[25885]} : في بَاء " بجنوده " أوجه :

أحدها{[25886]} : أن تكون الباء للحال ، وذلك على أن " أَتْبَعَ " متعد{[25887]} لاثنين حذف ثانيهما ، والتقدير : فَأتْبَعَهُمْ فرعونُ عقابَه{[25888]} ، وقدَّره أبو حيَّان : رُؤَسَاءَه وحشَمَهُ{[25889]} .

قال شهاب الدين : والأول أحسن{[25890]} .

والثاني{[25891]} : أن الباءَ زائدة في المفعول الثاني{[25892]} . والتقدير : فَأتْبَعَهُمْ فِرعون جنوده ، كقوله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ }{[25893]} .

( . . . *** . . . لاَ يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ{[25894]} ){[25895]}

وأتبع قد جئتها متعدياً{[25896]} لاثنين مصرح بهما قال تعالى : وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَاتِهِمْ{[25897]} .

والثالث{[25898]} : أنها معدية{[25899]} على أن " أتْبَعَ " ، قد يتعدى لواحد بمعنى{[25900]} تَبع ويجوز على هذا الوجه{[25901]} أن تكون الباء للحال أيضاً ، بل هو الأظهر . وقرأ أبو عمرو في رواية والحسن " فاتْبَعَهُمْ " بالتشديد ، وكذلك قراءة الحسن في جميع القرآن إلا في قوله : { فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }{[25902]} قوله : { مَا غَشِيَهُمْ }{[25903]} فاعل " غَشِيَهُمْ " {[25904]} وهذا من باب الاختصار وجوامع الكلم أي{[25905]} : ما يقل لفظها ويكثر معناها ، أي فَغَشِيَهُمْ مَا لا يعلم كنهه إلا الله تعالى{[25906]} وقراءة الأعمش " فَغَشَّاهُمْ " مضعَّفاً{[25907]} ، وفي الفاعل حينئذ{[25908]} ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه " مَا غَشَاهُمْ " كالقراءة قبله ، أي غطَّاهم من اليَمِّ ما غطَّاهُم .

والثاني{[25909]} : هو ضمير الباري تعالى . أي : فَغَشَّاهُم{[25910]} الله .

والثالث{[25911]} : هو ضمير فرعون ، لأنه السبب في إهلاكهم{[25912]} .

وعلى هذين الوجهين : ف " مَا غَشَّاهُمْ " في محل نصب مفعولاً ثانياً{[25913]} .

فصل

قيل{[25914]} : أمرَ فرعونُ جنوده أن يَتْبَعُوا{[25915]} موسى وقومه{[25916]} ، وكان هو فيهم " فَغَشِيَهُمْ " أصابهم " مِنَ اليَمِّ مَا غَشِيَهُمْ " ، وهو الغرق .

وقيل : " غَشِيَهُمْ " ، علاهم وسترهم{[25917]} { مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ } يريد بعض ماء اليم لا كلّه .

وقيل : غَشِيَهُم من اليَمِّ ما غشي{[25918]} قوم موسى فغرقوا هم ونَجَا موسى وقومه{[25919]} .


[25879]:فتكون الباء معدية: لأن أتبع مثل تبع يتعدّى إلى واحد، فإذا تعدّى إلى الثاني يكون بواسطة حرف التعدية وهو الباء. وانظر فعلت وأفعلت للزجاج (12) الفخر الرازي 22/93.
[25880]:وهي زائدة في المفعول الثاني، وذلك على أن أتبع يتعدى إلى اثنين. فتكون الهمزة هي المعدية.
[25881]:من قوله تعالى: {قال يبنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } [طه: 94].
[25882]:من قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1].
[25883]:الفخر الرازي 22/93.
[25884]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25885]:في ب: وقال بعضهم.
[25886]:في ب: الأول.
[25887]:في ب: متعدي.
[25888]:انظر التبيان 2/151، والتبيان 2/899.
[25889]:انظر البحر المحيط 6/264.
[25890]:الدر المصون 5/34.
[25891]:في ب: الثاني.
[25892]:انظر البحر المحيط 6/264.
[25893]:في ب: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195]. لأن الباء زائدة يقال: ألقى يده، وألقى بيده. انظر التبيان 1/159.
[25894]:جزء من بيت من بحر البسيط يروى لشاعرين متعاصرين: أحدهما الراعي النميري، والآخر القتال الكلابي. وتمامه: هـنّ الحرائر لا ربّات أخمرة *** سود المحاجر لا يقرأن بالسور والبيت في مجالس ثعلب 1/301، المخصص 14/570، ابن يعيش 8/23، المغني 1/29، 109، 2/675 ، وشرح شواهده 1/91، 336، والخزانة 9/107.
[25895]:ما بين المعقوفين سقط من ب.
[25896]:في ب: وقد أتبع قد يجيء متعديا. وهو تحريف.
[25897]:من قوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} [الطور: 21] وأتبعناهم ذرياتهم قراءة أبي عمرو السبعة 612.
[25898]:في ب: الثالث.
[25899]:في ب: متعدية.
[25900]:انظر التبيان 2/899. فيكون تعدى إلى الثاني بواسطة الباء.
[25901]:الوجه: سقط من ب.
[25902]:هي رواية أبي عبيد. انظر السبعة 432، تفسير ابن عطية 10/63.
[25903]:[الصافات: 10]. وانظر البحر المحيط 6/264.
[25904]:انظر البحر المحيط 6/264.
[25905]:في النسختين: إلى. والصواب ما أثبته.
[25906]:انظر الكشاف 2/442.
[25907]:المختصر: 88، والبحر المحيط 6/264.
[25908]:في ب صفة وهو تحريف.
[25909]:في ب: وثانيها.
[25910]:في ب وغشاهم.
[25911]:في ب: وثالثها.
[25912]:والأوجه الثلاثة في الفاعل في الكشاف 3/442.
[25913]:لأن الفعل قد استوفى فاعله.
[25914]:من هنا نقله ابن عادل من تفسير البغوي 5/447.
[25915]:في ب: أن يتبعهم. وهو تحريف.
[25916]:في ب: وقوله. وهو تحريف.
[25917]:في ب: وقيل: غشاهم وسترهم.
[25918]:في ب: غشاهم من اليم بل غشى. وهو تحريف.
[25919]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/447.