البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِيۖ وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِي فَقَدۡ هَوَىٰ} (81)

والطيبات هنا الحلال اللذيذ لأنه جمع الوصفين .

وقرئ { الأيمن } قال الزمخشري بالجر على الجوار نحو جحر ضب خرب انتهى .

وهذا من الشذوذ والقلة بحيث ينبغي أن لا تخرّج القراءة عليه ، والصحيح أنه نعت للطور لما فيه من اليمن وأما لكونه على يمين من يستقبل الجبل ، ونهاهم عن الطغيان فيما رزقهم وهو أن يتعدوا حدود الله فيها بأن يكفروها ويشغلهم اللهو والنعم عن القيام بشكرها ، وأن ينفقوها في المعاصي ويمنعوا الحقوق الواجبة عليهم فيها .

وقرأ زيد بن علي ولا تَطْغُوا فيه بضم الغين .

وعن ابن عباس { ولا تطغوا فيه } لا يظلم بعضكم بعضاً فيأخذه من صاحبه يعني بغير حق .

وعن الضحاك ومقاتل : لا تجاوزوا حدَّ الإباحة .

وعن الكلبي : لا تكفروا النعمة أي لا تستعينوا بنعمتي على مخالفتي .

وقرأ الجمهور { فَيَحِلَّ } بكسر الحاء { ومن يحلِلْ } بكسر اللام أي فيجب ويلحق .

وقرأ الكسائي بضم الحاء ولام يحلُل أي ينزل وهي قراءة قتادة وأبي حيوة والأعمش وطلحة ووافق ابن عتيبة في يحلل فضم ، وفي الإقناع لأبي علي الأهوازي ما نصه ابن غزوان عن طلحة لا يحلن عليكم { غضبي } بلام ونون مشددة وفتح اللام وكسر الحاء أي : لا تتعرضوا للطغيان فيه فيحل عليكم غضبي من باب لا أرينك هنا وفي كتاب اللوامح قتادة وعبد الله بن مسلم بن يسار وابن وثاب والأعمش فَيُحَّلُ بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال فهو متعد من حل بنفسه ، والفاعل فيه مقدر ترك لشهرته وتقديره فيحل به طغيانكم { غضبي } عليكم ودل على ذلك { ولا تطغوا } فيصير { غضبي } في موضع نصب مفعول به .

وقد يجوز أن يسند الفعل إلى { غضبي } فيصير في موضع رفع بفعله ، وقد حذف منه المفعول للدليل عليه وهو العذاب أو نحوه انتهى .

{ فقد هوى } كنى به عن الهلاك ، وأصله أن يسقط من جبل فيهلك يقال هوى الرجل أي سقط ، ويشبه الذي يقع في ورطة بعد أن كان بنجوة منها بالساقط ، أو { هوى } في جهنم وفي سخط الله وغضب الله عقوباته ، ولذلك وصف بالنزول .