الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ} (78)

قوله تعالى ذكره : { فأتبعهم فرعون بجنوده }[ 77 ] إلى قوله : { ثم اهتدا }[ 80 ] .

في الكلام حذف ، والتقدير : فسرى موسى بهم فاتبعهم فرعون بجنوده .

والسرى ، سير الليل . وكان فرعون ظن أن موسى ومن معه لا يفوتونه لأن البحر بين أيديهم . فلما أتى موسى البحر ، ضربه بعصاه ، فانفلق منه{[45350]} اثني عشر طريقا . وبين الطريق والطريق الماء قائما كالجبال فأخذ كل سبط طريقا ، فلما أقبل فرعون ، ورأى الطريق في البحر ، أوهم ومن معه أن البحر فعل ذلك لمشيئته{[45351]} . فدخل هو وأصحابه فانطبق البحر عليهم .

وروي أنهم لما تراءوا وطمع فرعون في موسى ومن معه أرسل الله ضبابة فسترت بعضهم من بعض حتى دخل موسى وقومه في{[45352]} البحر ، فلما أمعنوا في البحر ، انجلت الضبابة ، فنظر أصحاب فرعون فلم يروا منهم أحد ، فتقربوا حتى أتوا البحر ، فرأوه منفلقا . فيه طرق{[45353]} قائمة وأضحة يابسة والماء قائم بين الطريق والطريق بمنزلة الجبل العظيم لا يتحرك ولا يزول ، فشاهدوا هذه الآيات العظيمة ، وأوهمهم فرعون أن البحر إنما انفلق من هيبته ومخافته فدخل خلف بني إسرائيل ليلحقهم ، فلما استكمل هو وجنوده في داخل{[45354]} البحر ، انطبق عليهم ، فهلكوا أجمعين{[45355]} .

وقوله : { فغشيهم من اليم ما غشيهم }[ 77 ] .

أي : ما غرقهم . وفيه معنى التعظيم ، ولذلك{[45356]} كنى عن الغرق بغشيهم{[45357]} .

قال أبو النجم{[45358]} : أنا أبو النجم وشعري شعري{[45359]} .

أي : شعري ما قد عرفتموه . فكنى{[45360]} عنه ليعظمه .


[45350]:ز: فيه. (تحريف).
[45351]:ز: لهيبته.
[45352]:في سقطت من ز.
[45353]:ز: طريق.
[45354]:داخل سقطت من ز.
[45355]:ذكر أبو حيان هذا الخبر مختصرا في البحر المحيط 6/263.
[45356]:ز: فلذلك.
[45357]:ز: يخشى.
[45358]:هو الفضل بن قدامة العجلي، أحد رجاز العرب، كان من أحسن الناس إنشادا للشعر. وكان يحضر مجلس عبد الملك بن مروان وابنه هشام. انظر: ترجمته في خزانة الأدب 1/49، وكتاب الأغاني 10/157.
[45359]:انظر: ديوان أبي النجم ص 99.
[45360]:ز: وكنى.