البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{طَلۡعُهَا كَأَنَّهُۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَٰطِينِ} (65)

واستعير الطلع ، وهي النخلة ، لما تحمل هذه الشجرة ، وشبه طلعها بثمر شجرة معروفة يقال لثمرها رؤوس الشياطين ، وهي بناحية اليمن يقال لها الاستن ، وذكرها النابغة في قوله :

تحيد من استن سود أسافله *** مشي الإماء الغوادي تحمل الحزما

وهو شجر خشن مر منكر الصورة ، سمت ثمره العرب بذلك تشبها برؤوس الشياطين ، ثم صار أصلاً يشبه به .

وقيل : هو شجرة يقال لها الصوم ، ذكرها ساعدة بن حوبة الهذلي في قوله :

موكل بشدوف الصوم يرقبها *** من المناظر مخطوف الحشازرم

وقيل : الشياطين صنف من الحيات ذوات أعراف ، ومنه :

عجيز تحلف حين أحلف *** كمثل شيطان الحماط أعرف

وقيل : شبه بما اشتهر في النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقبحها ، وإن كانت غير مرئية ، ولذلك يصورون الشيطان في أقبح الصور .

وإذا رأوا أشعث منتفش الشعر قالوا : كأنه وجه شيطان ، وكأن رأسه رأس شيطان ، وهذه بخلاف الملك ، يشبهون به الصورة الحسنة .

وكما شبه امرؤ القيس المسنونة الزرق بأنياب الغول في قوله :

ومسنونة زرق كأنياب أغوال . . .

وإن كان لم يشاهد تلك الأنياب ، وهذا كله تشبيه تخييلي .