البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَ} (90)

اقتدى به اتبعه وجعله قدوة له أي متبعاً .

{ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } الإشارة بأولئك إلى المشار إليهم بأولئك الأولى وهم الأنبياء السابق ذكرهم وأمره تعالى أن يقتدى بهداهم ، والهداية السابقة هي توحيد الله تعالى وتقديسه عن الشريك ، فالمعنى فبطريقتهم في الإيمان بالله تعالى وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع ، فإنها مختلفة فلا يمكن أن يؤمر بالاقتداء بالمختلفة وهي هدى ما لم تنسخ فإذا نسخت لم تبق هدى بخلاف أصول الدين فإنها كلها هدى أبداً .

وقال تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } وقال ابن عطية : ويحتمل أن تكون الإشارة بأولئك إلى { قوماً } وذلك يترتب على بعض التأويلات في المراد بالقوم على بعضها انتهى ، ويعني أنه إذا فسر القوم بالأنبياء المذكورين أو بالملائكة فيمكن أن تكون الإشارة إلى قوم وإن فسروا بغير ذلك فلا يصح ، وقيل : الاقتداء في الصبر كما صبر من قبله ، وقيل : يحمل على كل هداهم إلا ما خصه الدليل ، وقيل : في الأخلاق الحميدة من الصبر على الأذى والعفو ، وقال : في ريّ الظمآن أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية بمكارم الأخلاق فأمر بتوبة آدم وشكر نوح ووفاء إبراهيم وصدق وعد إسماعيل وحلم إسحاق وحسن ظنّ يعقوب ؟ واحتمال يوسف وصبر أيوب وإثابة داود وتواضع سليمان وإخلاص موسى وعبادة زكريا وعصمة يحيى وزهد عيسى ، وهذه المكارم التي في جميع الأنبياء اجتمعت في الرسول صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ولذلك وصفه تعالى بقوله : { وإنك لعلى خلق عظيم } وقال الزمخشري : { فبهداهم اقتده } فاختص هداهم بالاقتداء ولا يقتدى إلا بهم ، وهذا بمعنى تقديم المفعول وهذا على طريقته في أن تقديم المفعول يوجب الاختصاص وقد رددنا عليه ذلك في الكلام على { إياك نعبد } وقرأ الحرميان وأهل حرميهما وأبو عمرو { اقتده } بالهاء ساكنة وصلاً ووقفاً وهي هاء السكت أجروها وصلاً مجراها وقفاً ، وقرأ الأخوان بحذفها وصلاً وإثباتها وقفاً وهذا هو القياس ، وقرأ هشام { اقتده } باختلاس الكسرة في الهاء وصلاً وسكونها وقفاً ، وقرأ ابن ذكوان بكسرها ووصلها بياء وصلاً وسكونها وقفاً ويؤول على أنها ضمير المصدر لا هاء السكت ، وتغليظ ابن مجاهد قراءة الكسر غلط منه وتأويلها على أنها هاء السكت ضعيف .

{ قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين } أي على الدعاء إلى القرآن وهو الهدى والصراط المستقيم .

{ أجراً } أي أجرة أتكثر بها وأخص بها إن القرآن { إلا ذكرى } موعظة لجميع العالمين .