البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ} (109)

{ قال الملأ من قوم فرعون إنّ هذا لساحر عليم } .

وفي الشعراء { قال للملإ حوله إنّ هذا لساحر عليم } والجمع بينهما أن فرعون وهم قالوا هذا الكلام فحكى هنا قولهم وهناك قوله أو قاله ابتداء فتلقفه منه الملأ فقالوه لأعقابهم أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ كما تفعل الملوك يرى الواحد منهم الرأي فيكلم به من يليه من الخاصّة ثم تبلغه الخاصة العامة والدليل عليه أنهم أجابوه في قوله { أرجه } وكان السحر إذ ذاك في أعلى المراتب فلما رأوا انقلاب العصا ثعباناً والأدماء بيضاء وأنكروا النبوة ودافعوه عنها قصدوا ذمه بوصفه بالسحر وحطّ قدره إذ لم يمكنهم في ظهور ما ظهر على يده نسبة شيء إليه غير السحر وبالغوا في وصفه بأن قالوا : { عليم } أي بالغ الغاية في علم السّحر وخدعه وخيالاته وفنونه وأكثر استعمال لفظ هذا إذا كان من كلام الكفار في التنقص والاستغراب كما قال{ أهذا الذي يذكر آلهتكم } { أهذا الذي بعث الله رسولاً } { إن هذا إلا أساطير الأولين } { ما هذا إلا بشر مثلكم } { إنّ هذان لساحران } { إن كان هذا هو الحق من عندك } يعدلون عن لفظ اسم ذلك الشيء إلى لفظ الإشارة وأكدّوا نسبة السحر إليه بدخول إن واللام .

من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية .

قال البغوي : هي الفرما يعلمونهم السحر كما يعلمون الصبيان في المكتب فعلموهم سحراً كثيراً وواعد فرعون موسى موعداً ثم دعاهم وسألهم فقال : ماذا صنعتم قالوا علمناهم من السحر ما لا يقاومهم به أهل الأرض إلا أن يكون أمراً من السماء فإنه لا طاقة لنا به ،