اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ} (109)

اعلم أنَّهُ سبحانه وتعالى أسند القول في هذه السُّورة إلى الملأ ، وفي " الشعراء " [ 34 ] أسند القول إلى فرعون في قوله : " قَالَ لِلْمَلأ حَوْلَهُ " ، وأجاب الزَّمَخْشَرِيُّ عن ذلك بثلاثة أوْجُهٍ :

أحدها : أن يكون هذا الكلام صادراً منه ومنهم ، فحكى هنا عنهم وفي الشَّعراء عنه .

والثاني : أنَّهُ قاله ابتداء ، وتلقَّته عنه خاصَّته فقالوه لأعقابهم .

والثالث : أنَّهُم قالوه عنه للنَّاسِ على طريق التَّبليغ ، كما يفعل الملوكُ ، يرى الواحدُ منهم الرّأي فيبلغه الخاصَّة ، ثم يبلغوه لعامَّتهم ، وهذا الثَّالِثُ قريبٌ من الثَّانِي في المعنى .

وقولهم : { إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } يعنون أنَّهُ ليأخذ بأعين النَّاسِ حتى يخيل إليهم العصا حيَّة ، واليد بيضاء ، وكان موسى عليه الصَّلاة والسَّلامُ آدم اللّون ، ويرى الشَّيء بخلاف ما هو عليه ، وكان السّحر غالباً في ذلك الزمان ، ولا شَكَّ أن مراتب السّحر كانت متفاوتة ، فالقوم زَعَمُوا أن موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - كان في النِّهاية من علم السّحر ، فلذلك أتى بتلك الصّيغة ، ثم ذكروا أنَّه إنَّما أتى بذلك السّحر طلباً للملك والرّئاسة فقالوا : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ } .