البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ} (108)

{ ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } أي جذب { يده } قيل من جيبه وهو الظاهر لقوله { وأدخل يدك في جيبك تخرج } ، وقيل من كمّه و { للناظرين } أي للنظار وفي ذكر ذلك تنبيه على عظم بياضها لأنه لا يعرض لها للنظار إلا إذا كان بياضها عجيباً خارجاً عن العادة يجتمع الناس إليه كما يجتمع النظّار للعجائب ، قال مجاهد : { بيضاء } كاللبن أو أشدّ بياضاً ، وروي أنها كانت تظهر منيرة شفافة كالشمس ثم يردّها فترجع إلى لون موسى وكان آدم عليه السلام شديد الأدمة ، وقال ابن عباس صارت نوراً ساطعاً يضيء له ما بين السماء والأرض له لمعان مثل لمعان البرق فخرّوا على وجوههم ، وقال الكلبي : بلغنا أن موسى عليه السلام قال يا فرعون ما هذه بيدي قال : هي عصا فألقاها موسى فإذا هي ثعبان ، وروي أن فرعون رأى يد موسى فقال لفرعون ما هذه فقال : يدك ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة صوف ونزعها فإذا هي بيضاء بياضاً نورانياً غلب شعاعها شعاع الشمس وما أعجب أمر هذين الخارقين أحدهما في نفسه وذلك اليد البيضاء ، والأخر في غير نفسه وهي العصا وجمع بذينك تبدّل الذرات وتبدل الاعراض فكانا دالين على جواز الأمرين وإنهما كلاهما ممكن الوقوع ، قال أبو محمد بن عطية : هاتان الآيتان عرضهما موسى عليه السلام للمعارضة ودعا إلى الله بهما وخرق العادة بهما وتحدّى الناس إلى الدين بهما فإذا جعلنا التحدّي الدّعاء إلى الدين مطلقاً فبهما تحدى وإذا جعلنا التحدّي الدعاء بعد العجز عن معارضة المعجزة وظهور ذلك فتنفرد حينئذ العصا بذلك لأنّ المعارضة والمعجز فيها وقعا ويقال : التحدّي هو الدعاء ألى الإتيان بمثل المعجزة فهذه نحو ثالث وعليه يكون تحدّي موسى بالآيتين جميعاً لأنّ الظاهر من أمره أنه عرضهما معاً وإن كان لم ينص على الدعاء إلى الإتيان بمثلهما انتهى ، وهو كلام فيه تثبيج .