البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (123)

{ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم } قرأ حفص { أمنتم } على الخبر في كل القرآن أي فعلتم هذا الفعل الشنيع وبّخهم بذلك وقرعهم ، وقرأ العربيان ونافع والبزي بهمزة استفهام ومدة بعدها مطولة في تقدير ألفين إلا ورشاً فإنه يسهل الثانية ولم يدخل أحد ألفاً بين المحققة والملينة وكذلك في طه والشعراء ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر فيهن بالاستفهام وحققا الهمزة وبعدها ألف وقرأ قنبل هنا بإبدال همزة الاستفهام واواً الضمة نون فرعون وتحقيق الهمزة بعدها أو تسهيلها أو إبدالها أو إسكانها أربعة أوجه وقرأ في طه مثل حفص وفي الشعراء مثل البزي هذا الاستفهام معناه الإنكار والاستبعاد والضمير في { به } عائد على الله تعالى لقولهم { قالوا آمنا برب العالمين } ، وقيل يحتمل أن يعود على موسى وفي طه والشعراء يعود في قوله له على موسى لقوله { إنه لكبيركم } ، وقيل آمنت به وآمنت له واحد في قوله { قبل أن آذن لكم } دليل على وهن أمره لأنه إنما جعل ذنبهم بمفارقة الإذن ولم يجعله نفس الإيمان إلا بشرط .

{ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها } أي صنيعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا منها إلى هذه الصحراء وتواطأتم على ذلك لغرض لكم وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوا بني إسرائيل قال هذا تمويهاً على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان روي عن ابن مسعود وابن عباس أن موسى عليه السلام اجتمع مع رئيس السحرة شمعون فقال له موسى أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي فقال له نعم فعلم بذلك فرعون فقال ما قال انتهى ، ولما خاف فرعون أن يكون إيمان السحرة حجة قومه ألقى في الحال نوعين من الشبه أحدهما إنّ هذا تواطؤ منهم لا أنّ ما جاء به حق والثاني { إن ذلك طلب منهم للملك } . { فسوف تعلمون } تهديد ووعيد ومفعول { تعلمون } محذوف أي ما يحلّ بكم أبهم في متعلق { تعلمون }