أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا} (12)

شرح الكلمات :

{ والذين في قلوبهم مرض } : أي شيء من النفاق لضعف عقيدتهم .

{ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } : أي ما وعدنا من النصر ما هو إلا غروراً وباطلاً

{ يا أهل يثرب لا مقام لكم } : أي يا أهل المدينة لا مقام لكم حول الخندق فارجعوا إلى دياركم .

المعنى :

وقوله تعالى : { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } أي النفاق لضعف إيمانهم { ما وعدنا الله ورسوله } أي من النصر { إلا غروراً } أي باطلا : وذلك أنهم لما كانوا يحفرون في الخندق استعصت عليهم صخرة فأبت أن تنكسر فدعي لها الرسول صلى الله عليه وسلم فضربها بالمعول ضربة تصدعت لها وبرق منها بريقٌ أضاء الساحة كلها فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ، ثم ضربها ثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير الفتح وكبر المسلمون وضرب ثالثة فكسرها وبرقت لها برقة كسابقتيها وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد سلمان فرقى من الخندق فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيته قط فالتفت رسول الله إلى القوم فقال هل رأيتم ما رأى سلمان ؟ قالوا نعم يا رسول الله فأعلمهم أنه على ضوء ذلك البريق رأى قصور مدائن كسرى كأنياب الكلاب وإن جبريل أخبرني أن أُمتي ظاهرة عليها كما رأيت في الضربة الثانية القصور الحمراء من أرض الروم وأخبرني جبريل أن أُمتي ظاهرة عليها ، ورأيت في الثالثة قصور صنعاء وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا أبشروا أبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعود صدق .

فلما طال الحصار واشتدت الأزمة واستبد الخوف بالرجال قال المنافقون وضعفاء الإِيمان { ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } إذ قال معتب بن قشير يعدنا محمد بفتح فارس والروم وأحدنا لا يقدر أن يتبرّز فرقاً وخوفاً ما هذا إلا وعد غرورا ! !

الهداية :

من الهداية :

- بيان حُسْنَ الظن بالله ممدوح ، وأن سوء الظن به تعالى كفر ونفاق .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا} (12)

ولما علم بهذا أن الحال المزلزل لهم كان في غاية الهول ، أشار{[55177]} إلى أنهم لم يزلزلهم بأن حكى أقوال المزلزلين ، ولم يذكر أقوالهم وسيذكرها بعد ليكون الثناء عليهم بالثبات مع عظيم الزلزال مذكوراً مرتين إشارة وعبارة ، فقال : { وإذ } وأشار إلى تكريرهم لدليل النفاق بالمضارع فقال : { يقول } أي مرة بعد أخرى { المنافقون } أي الراسخون في النفاق ، لأن قلوبهم مريضة ملأى مرضاً { والذين في قلوبهم مرض{[55178]} } أي من أمراض الاعتقاد بحيث أضعفها في الاعتقاد والثبات في مواطن اللقاء وفي كل معنى جليل ، فهم بحيث لم يصلوا إلى الجزم بالنفاق ولا الإخلاص في الإيمان ، بل هم على حرف فعندهم نوع النفاق ، فالآية من الاحتباك : ذكر النفاق أولاً دال{[55179]} عليه ثانياً ، وذكر المرض ثانياً دليل{[55180]} عليه أولاً ، {[55181]}وهذا الذي قلته في القلوب موافق لما ذكره الإمام السهروردي في الباب السادس والخمسين من عوارفه عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " القلوب أربعة : قلب أجرد فيه سراج يزهو ، فذلك قلب المؤمن ، وقلب أسود منكوس ، فذلك قلب الكافر ، وقلب مربوط على غلاف ، فذلك قلب المنافق ، وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق ، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد ، فأيّ المدتين{[55182]} غلبت عليه حكم له بها " وروى هذا الحديث الغزالي في أواخر كتاب قواعد العقائد من الإحياء{[55183]} عن أبي سعيد الخدري ، وقال الشيخ زين الدين العراقي : أخرجه أحمد{[55184]} .

ولما كان المكذب لهم بتصديق وعد الله - ولله الحمد - كثيراً ، أكدوا قولهم وذكروا الاسم الأعظم{[55185]} وأضافوا الرسول إليه فقالوا : { ما وعدنا الله } الذي ذكر لنا{[55186]} أنه محيط الجلال والجمال { ورسوله } أي{[55187]} الذي قال من قال من قومنا : إنه رسول ، استهزاء منهم ، وإقامة للدليل في زعمهم لهذا البلاء على بطلان تلك الدعوى { إلا غروراً * } أي باطلاً استدرجنا{[55188]} به إلى الانسلاخ عما كنا عليه من دين آبائنا وإلى الثبات على ما صرنا إليه بعد ذلك الانسلاخ بما وعدنا به من ظهور هذا الدين على{[55189]} الدين كله ، والتمكين في البلاد حتى في حفر الخندق ، فإنه قال : إنه أبصر بما برق له في ضربه لصخرة سلمان{[55190]} مدينة صنعاء من اليمن وقصور وكسرى بالحيرة من أرض فارس ، وقصور الشام من أرض الروم ، وإن تابعيه سيظهرون على ذلك كله{[55191]} وقد صدق الله وعده في جميع ذلك حتى في لبس سراقة بن مالك ابن جعشم سوارى كسرى بن هرمز كما هو مذكور مستوفى في دلائل{[55192]} النبوة للبيهقي ، وكذبوا في شكهم .

ففاز المصدقون ، وخاب الذين هم في ريبهم يترددون .


[55177]:في ظ: إشارة.
[55178]:ليس في الأصل فقط.
[55179]:من م ومد، وفي الأصل وظ: دالا.
[55180]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دليلا.
[55181]:زيد ما بين الحاجزين من ظ ومد.
[55182]:كذا في مسند الإمام أحمد، وفي ظ وإحياء العلوم: المادتين.
[55183]:راجع 1/90.
[55184]:راجع مسنده 3/17.
[55185]:زيد من ظ وم ومد.
[55186]:زيد من ظ وم ومد.
[55187]:سقط من ظ.
[55188]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: استدراجا.
[55189]:زيد من م ومد.
[55190]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: سليمان.
[55191]:سقط من ظ.
[55192]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دليل.