أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (41)

شرح الكلمات :

{ وآية لهم } : أي وعلامة لهم على قدرتنا على البعث .

{ أنا حملنا ذريتهم } : أي ذريّات قوم نوح الذين أهلكناهم بالطوفان . نجينا ذريّتهم لأنهم مؤمنون موحدون وأغرقنا آباءهم لأنهم مشركون .

{ في الفلك المشحون } : أي في سفينة نوح المملوءة بالأزواج من كل صنف .

المعنى :

ما زال السياق في عرض الآيات الكونيّة للدلالة على البعث والتوحيد والنبوّة فقال تعالى { وآية لهم } أي أخرى غير ما سبق { أنا حملنا ذريّتهم في الفلك المشحون } أي حملنا ذريّة قوم نوح المؤمنين فأنجيناهم بإِيمانهم وتوحيدهم وأغرقنا المشركين فهي آية واضحة عن رضا الله تعالى عن المؤمنين الموحدين وسخطه على الكافرين المشركين المكذبين إن في هذا الإِنجاء للموحدين والإِغراق للمشركين آية وعبرة لو كان مشركو قريش في مكة يفقهون .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (41)

قوله تعالى : " وآية لهم " يحتمل ثلاثة معان : أحدها عبرة لهم ؛ لأن في الآيات اعتبارا . الثاني نعمة عليهم ؛ لأن في الآيات إنعاما . الثالث إنذار لهم ؛ لأن في الآيات إنذارا . " أنا حملنا ذريتهم{[13218]} في الفلك المشحون " من أشكل ما في السورة ؛ لأنهم هم المحمولون . فقيل : المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذرية القرون الماضية " في الفلك المشحون " فالضميران مختلفان . ذكره المهدوي . وحكاه النحاس عن علي بن سليمان أنه سمعه يقول . وقيل : الضميران جميعا لأهل مكة على أن يكون ذرياتهم أولادهم وضعفاءهم ، فالفلك على القول الأول سفينة نوح . وعلى الثاني يكون اسما للجنس ، خبّر جل وعز بلطفه وامتنانه أنه خلق السفن يحمل فيها من يصعب عليه المشي والركوب من الذمة والضعفاء ، فيكون الضميران على هذا متفقين . وقيل : الذرية الآباء والأجداد ، حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام ، فالآباء ذرية والأبناء ذرية ، بدليل هذه الآية ، قاله أبو عثمان . وسمي الآباء ذرية ؛ لأن منهم ذرأ الأبناء . وقول رابع : أن الذرية النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيها بالفلك المشحون . قاله علي بن أبى طالب رضي الله عنه . ذكره الماوردي . وقد مضى في " البقرة " {[13219]} اشتقاق الذرية والكلام فيها مستوفى . و " المشحون " المملوء الموقر ، و " الفلك " يكون واحدا وجمعا . وقد تقدم في " يونس " {[13220]} القول فيه .


[13218]:" ذرياتهم" بالجمع قراءة نافع.
[13219]:راجع ج 2 ص 107 وما بعدها طبعة ثانية.
[13220]:راجع ج 8 ص 324 طبعة أولى أو ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَءَايَةٞ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (41)

ولما ذكر ما حد له حدوداً في السباحة في وجه الفلك لو تعداها لاختل النظام ، ذكر ما هيأه من الفلك للسباحة على وجه الماء الذي طبق الأرض في زمن نوح عليه السلام حتى كانت كالسماء ، ولو تعدت السفينة ما حد لها سبحانه من المنازل فنفذت إلى بحر الظلمات لفسد الشأن ، وكانوا فيها كأنهم في الأرض ، وبسيرها كأنهم يخترقون الجبال والفيافي والقفار - كل ذلك تذكيراً بأيام الله ، وتنبيهاً على استدرار نعمه ، وتحذيراً من سطواته ونقمه ، ومنّاً عليهم بما يسر لهم من سلوك البحر والتوصل به إلى جليل المنافع فقال : { وآية لهم } أي على قدرتنا التامة وعلمنا الشامل { أنا } أي على ما لنا من العظمة { حملنا } .

ولما كان من قبل نوح عليه السلام من أصول البشر لم يحملوا في الفلك ، عدل عن التعبير بالضمير والآباء إلى قوله : { ذريتهم } أي ذرية البشر التي ذرأناها وذروناها وذررناها حتى ملأنا بها الأرض من ذلك الوقت إلى آخر الدهر ، ولهذا التكثير المفهوم من هذا الاشتقاق البليغ اغتنى ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون فقرأوا بالإفراد ، وزادت في الإيضاح قراءة الباقين بالجمع ، بعضهم ظاهراً وبعضهم في ظهر أبيه { في الفلك } عرفه لشهرته بين جميع الناس { المشحون * } أي الموقر المملوء حيواناً وزاداً ، وهو يتقلب في تلك المياه التي لم ير قط مثلها ولا يرى أبداً ، ومع ذلك فسلمه الله .