البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَءَايَةٞ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (41)

والظاهر من الذرية أنه يراد به الأبناء ومن نشأ منهم .

وقيل : ينطلق على الآباء وعلى الأبناء ، قاله أبو عثمان .

وقال ابن عطية : هذا تخليط ، ولا يعرف هذا في اللغة . انتهى .

وتقدّم الكلام في الذرية في آل عمران .

والظاهر أن الضمير في لهم وفي ذرياتهم عائد على شيء واحد ، فالمعنى أنه تعالى حمل ذريات هؤلاء ، وهم آباؤهم الأقدمون ، في سفينة نوح عليه السلام ، قاله ابن عباس وجماعة .

ومن مثله : للسفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة أو أريد بقوله : ذرياتهم ، حذف مضاف ، أي ذريات جنسهم ، وأريد بالذرية من لا يطيق المشي والركوب من الذرية والضعفاء .

فالفلك اسم جنس من عليهم بذلك ، وكون الفلك مراداً به الجنس ، قاله ابن عباس أيضاً ومجاهد والسدّي ، ومن مثله : الإبل وسائر ما يركب .

وقيل : الضميران مختلفان ، أي ذرية القرون الماضية ، قاله عليّ بن سليمان ، وكان آية لهؤلاء ، إذ هم نسل تلك الذرية .

وقيل : الذرية : النطف ، والفلك المشحون : بطون النساء ، ذكره الماوردي ، ونسب إلى عليّ بن أبي طالب ، وهذا لا يصح ، لأنه من نوع تفسير الباطنية وغلاة المتصوفة الذين يفسرون كتاب الله على شيء لا يدل عليه اللفظ بجهة من جهات الدلالة ، يحرفون الكلم عن مواضعة .

وقرأ نافع ، وابن عامر ، والأعمش ، وزيد بن عليّ ، وأبان بن عثمان : ذرياتهم بالجمع ؛ وكسر زيد وأبان الذال ؛ وباقي السبعة ، وطلحة ، وعيسى : بالإفراد .

وقال الزمخشري : ذريتهم : أولادهم ومن يهمهم حمله .

وقيل : اسم الذرية يقع على النساء ، لأنهن مزراعها .

وفي الحديث : «أنه نهى عن قتل الذراري » ، يعني النساء .

ومعنى حمل الله ذرياتهم فيها : أنه حمل فيها آباؤهم الأقدمون ، وفي أصلابهم هم وذرياتهم .

وإنما ذكر ذرياتهم دونهم ، لأنه أبلغ في الامتنان عليهم ، وأدخل في التعجب من قدرته في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح .

وقال أبو عبد الله الرازي : إنما خص الذريات بالذكر ، لأن الموجودين كانوا كفاراً لا فائدة في وجودهم ، أي لم يكن الحمل حملاً لهم ، وإنما كان حملاً لما في أصلابهم من المؤمنين .

وقال أيضاً : الضمير في وآية لهم عائد على العباد في قوله : { يا حسرة على العباد } ثم قال بعد { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها } ، { وآية لهم الليل } ، { وآية لهم أنا حملنا ذريتهم } : ذريات العباد ، ولا يلزم أن يكون الضمير في الموضعين لمعنيين ، فهو كقوله :

{ لا تقتلوا أنفسكم } إنما يريد : لا يقتل بعضكم بعضاً ، فذلك هذا .

{ وآية لهم } : أي آية كل بعض منهم ، { أنا حملنا } ذرية كل بعض منهم ، أو ذرية بعض منهم . انتهى .