فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَءَايَةٞ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (41)

ثم ذكر سبحانه وتعالى نوعا آخر مما امتن به على عباده من النعم فقال : { وَآيَةٌ لَّهُمْ } ارتفاع آية على أنها خبر مقدم والمبتدأ أنا حملنا أو العكس ، أي علامة ودلالة ، وقيل : معنى آية هنا العبرة ، وقيل : النعمة ، وقيل : النذارة ، وقد اختلف في معنى .

{ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ } وإلى من يرجع الضمير لأن الضمير الأول وهو قوله : وآية لهم لأهل مكة أو لكفار العرب أو للكفار على الإطلاق الكائنين في عصر محمد صلى الله عليه وسلم ، فقيل : الضمير يرجع إلى القرون الماضية ، والمعنى : أن الله حمل ذرية القرون الماضية .

{ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } فالضميران مختلفان ، وهذا حكاه النحاس عن الأخفش ، وقيل : الضميران لكفار مكة ونحوهم ، والمعنى : أن الله حمل ذرياتهم من أولادهم وضعفائهم على الفلك فامتن الله عليهم بذلك ، أي أنهم يحملونهم معهم في السفن إذا سافروا أو يبعثون أولادهم للتجارة لهم فيها ، وإنما ذكر ذريتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليه ، وأبلغ في التعجب من قدرته ، وقيل : الذرية الآباء والأجداد ، والفلك : هو سفينة نوح أي أن الله حمل آباء هؤلاء وأجدادهم في سفينة نوح .

قال الواحدي : والذرية تقع على الآباء كما تقع على الأولاد ، قال أبو عثمان : وسمى الآباء ذرية لأن منهم ذرء الأبناء وقيل الذرية النطف الكائنة في بطون النساء ، وشبه البطون بالفلك المشحون . قاله علي بن أبي طالب ذكره الماوردي والراجح القول الثاني ثم الأول ثم الثالث ، وأما الرابع : ففي غاية البعد والنكارة وقد تقدم الكلام في الذرية واشتقاقها في سورة البقرة مستوفى .

وقيل : إن الضمير في قوله ( لهم ) يرجع إلى العباد المذكورين في قوله يا حسرة على العباد ، لأنه قال بعد ذلك : ( وآية لهم الأرض الميتة ) ، وقال : ( وآية لهم الليل ) ، ثم قال : ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ) ، فكأنه قال : وآية للعباد أنا حملنا ذريات العباد ، ولا يلزم أن يكون المراد بأحد الضميرين البعض منهم ، وبالضمير الآخر البعض الآخر وهذا قول حسن . والمشحون : المملوء الموقر ، والفلك يطلق على الواحد والجمع كما تقدم في يونس .

عن أبي مالك في الآية قال في سفينة نوح : حمل فيها من كل زوجين اثنين ، وعن أبي صالح نحوه ، وعنه في الآية قال : يعني الإبل خلقها الله كما رأيت فهي سفن البر يحملون عليها ويركبونها ، ومثله عن الحسن وعكرمة وعبد الله بن شداد ومجاهد .