أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

شرح الكلمات :

{ قل اللهم فاطر السموات والأرض } : قل يا نبينا : يا الله يا خالق السموات والأرض .

{ عالم الغيب والشهادة } : أي يا عالم الغيب وهو كل ما غاب عن الأبصار والحواس والشهادة خلاف الغيب .

{ فيما كانوا فيه يختلفون } : أي من أمور الدين عقائد وعبادات .

المعنى :

قوله تعالى : { قل اللهم } هذا إرشاد من الله تعالى لرسوله أن يفزع إليه بالدعاء والضراعة إذ استحكم الخلاف بينه وبين خصومه وضاق الصدر أي قل يا رسولنا يا الله { فاطر السموات والأرض } أي خالقها ، { عالم الغيب والشهادة } أي ما غاب عن الأبصار والحواس فلم يُدركْ ، والشهادة وهو ما رؤي بالأبصار وأدرك بالحواس { أنت تحكم بين عبادك } مؤمنهم وكافرهم { فيما كانوا فيه يختلفون } من الإِيمان بك وبلقائك وصفاتك وعبادتك ووعدك ووعيدك اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء غلى صراط مستقيم .

الهداية :

من الهداية :

- مشروعية اللجوء إلى الله تعالى عند اشتداد الكرب وعظم الخلاف والدعاء بهذا الدعاء وهو " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإِذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " إذ ثبتت السنة به .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

ولهذا قال { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : خالقهما ومدبرهما . { عَالِمَ الْغَيْبِ } الذي غاب عن أبصارنا وعلمنا { وَالشَّهَادَةِ } الذي نشاهده .

{ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وإن من أعظم الاختلاف اختلاف الموحدين المخلصين القائلين : إن ما هم عليه هو الحق ، وإن لهم الحسنى في الآخرة دون غيرهم ، والمشركين الذين اتخذوا من دونك الأنداد والأوثان ، وسووا فيك من لا يسوى شيئا ، وتنقصوك غاية التنقص ، واستبشروا عند ذكر آلهتهم ، واشمأزوا عند ذكرك ، وزعموا مع هذا أنهم على الحق وغيرهم على الباطل ، وأن لهم الحسنى .

قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

وقد أخبرنا بالفصل بينهم بعدها بقوله : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } إلى أن قال : { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }

وقال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } ففي هذه الآية ، بيان عموم خلقه تعالى وعموم علمه ، وعموم حكمه بين عباده ، . فقدرته التي نشأت عنها المخلوقات ، وعلمه المحيط بكل شيء ، دال على حكمه بين عباده وبعثهم ، وعلمه بأعمالهم ، خيرها وشرها ، وبمقادير جزائها ، وخلقه دال على علمه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

قوله تعالى : " قل اللهم فاطر السماوات والأرض " نصب لأنه نداء مضاف وكذا " عالم الغيب " ولا يجوز عند سيبويه أن يكون نعتا . " أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " وفي صحيح مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل " فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) ولما بلغ الربيع بن خيثم قتل الحسين بن علي رضي الله عنهم قرأ : " قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " . وقال سعيد بن جبير : إني لأعرف آية ما قرأها أحد قط فسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ، قوله تعالى : " قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَٰلِمَ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (46)

ولما نفى صلاحية الوكالة على الناس في الهدى والضلال لغيره ودل على ذلك بملكه وملكه وأخبر بتعمدهم الباطل ، أنتج ذلك وجب اللجاء إليه والإعراض عما سواه وقصر العزم عليه فقال معلماً بذلك ومعلماً لما يقال عند مخالفة الداعي باتباع الهوى : { قل } أي يا من نزل عليه الكتاب فلا يفهم عنا حق الفهم غيره راغباً إلى ربك في أن ينصرك عليهم في الدنيا والآخرة : { اللهم } أي يا الله ، وهذا نداء محض ويستعمل أيضاً على نحوين آخرين - ذكرهما ابن الخشاب الموصلي في كتابه النهاية شرح الكفاية - أحدهما أن تذكر لتمكين الجواب في نفس السائل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لضمام بن ثعلبة رضي الله عنه حيث قال : " الله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس ، فقال : اللهم نعم "

- إلى آخر ما قاله له ، وسره أن المسؤول إذا ذكر الله في جوابه . كان ذكره إياه أبعث للسائل على تصديقه لأنه أوقر في صدره إن لم يتصد لذكر الله ولم يكن بصدده ، وهو ممن يدين باستعمال الكذب ، والثاني أن يدل به على الندرة وقلة وقوع المذكور كقول المصنفين : لا يكون كذا اللهم إلا إذ كان كذا - كأنه استغفر الله من جزمه أو لا يسد الباب في أنه لا يكون غير ما ذكره فقال : اللهم اغفر لي ، فإنه يمكن أن يكون كذا - انتهى . ثم أبدل عند سيبويه ووصف عند غيره فقال : { فاطر } أي مبدع من العدم { السماوات } أي كلهم { والأرض } أي جنسها . ولما كانت القدرة لا تتم إلا بتمام العلم قال : { عالم الغيب والشهادة } أي ما لا يصح علمه للخلق وما يصح .

ولما كان غيره سبحانه لا يمكن له ذلك ، حسن التخصيص في قوله : { أنت } أي وحدك { تحكم بين عبادك } أي أنا وهم وغيرنا في الدنيا والآخرة لا محيص عن ذلك ولا يصح في الحكمة سواه كما أن كل أحد يحكم بين عبيده ومن تحت أمره لا يسوغ في رأيه غير ذلك { في ما كانوا } أي دائماً بما اقتضته جبلاتهم التي جبلتهم عليها { فيه يختلفون * } وأما غيرك فإنه لا يعلم جميع ما يفعلون ، فلا يقدر على الحكم بينهم ، وأما غير ما هم عريقون في الاختلاف فيه فلا يحكم بينهم فيه لأنه أما ما هيؤوا بفطرهم السليمة وعقولهم القويمة للاتفاق عليه فهو الحق ، وأما ما يعرض لهم الاختلاف فيه لا على سبيل القصد أو بقصد غير ثابت فهو مما تذهبه الحسنات فعرف أن تقديم الظرف إنما وهو للاختصاص لا الفاصلة .