أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

شرح الكلمات :

{ ووصينا الإنسان بوالديه } : أي أمرناه أمراً أمراً مؤكداً بالإِيصاء .

{ إحسانا } : أي أن يُحسن بهما إحسانا وهو المعاملة بالحسنى .

{ حملته أُمه كُرها ووضعته كرها } : أي حملته أثناء حمله في بطنها على مشقة وولدته كذلك على مشقة .

{ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } : أي مدة حمله في بطنها وفطامه من الرضاع ثلاثون شهرا .

{ حتى إذا بلغ أشده } : أي اكتمال قوته البدنّية العقلية وهي من الثلاث والثلاثين فما فوق .

{ رب أوزعني أن أشكر نعمتك } : أي ألهمني ووفقني أن أشكر نعمتك بصرفها فيما تحب .

{ وأن أعمل صالحا ترضاه } : أي وبأن أعمل صالحا ترضاه مني أي تتقبله عني .

المعنى :

إن الفرد كالجماعة فقد أوصى تعالى الإِنسان بالإِحسان بوالديه وببرهما في جميع كتبه وعلى ألسنة كافة رسله ، والإِنسان بعد ذلك قد يحسن ويبرُّ وقد يسيء وعُقُّ ، فكذلك الجماعة والأمة من الناس يرسل إليهم الرسول فمنهم من يؤمن ومنهم من يكذب ، ومنهم من يتابع ومنهم من يخالف فلما ذكر تعالى اختلاف قوم النبي صلى الله عليه وسلم في الإِيمان بما جاء به ، والكفر به ذكر أن هذه حال الإِنسان فقال تعالى { ووصينا الإِنسان } أي جنس الإِنسان أي أمرناه بما هو آكد من الأمر وهو الوصيّة بوالديه أي أمه وأبيه إحسانا بهما وذلك بكف الأذى عنهما وإيصال الخير بهما وطاعتهما في المعروف وببرهما أيضا بعد موتهما . فمن الناس من ينفذ هذه الوصية ومنهم من يهملها ولا ينفذها وقوله ، حملته أمه كرها ووضعته كرها بيان لوجوب الإِحسان بهما وبرهما إذ معاناة الأُم وتحملها مشقة الحمل تسعة أشهر ومشقة الوضع وهي مشقة لا يعرفها إلا من قاسى آلامها كالأمهات . وقوله { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا } بيان لمدة تحمل المشقة إنها ثلاثون شهرا بعضها للحمل وبعضها للإِرضاع والتربية وقوله تعالى حتى إذا بلغ أي عاش حتى إذا بلغ أشده أي اكتمال قواه البدنية والعقلية وذلك من ثلاث وثلاثين سنة إلى الأربعين وبلغ أربعين سنة قال أي الإِنسان البار بوالديه المنفذ للوصية الإِلهية كأبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ بلغ الأربعين من عمره بعد البعثة المحمدية بسنتين . { قال ربّ أوزعني أن أشكرك نعمتك التي أنعمت عليَّ } وهي نعمة الإِيمان والتوحيد والإِسلام عليّ وعلى والديَّ إذ آمن وآمن أبواه أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي وآمنت أمه أم الخير سلمى ، وأولاده عامة من بنين وبنات ولم يحصل لأحد من الصحابة أن سأل ربه أن يدفعه دفعا إلهاميا وتوفيقا ربانيا لأن يشكر نعمة الله عليه وعلي والديه بالإِسلام ، وأن يدفعه كذلك إلى العمل الصالح الذي يرضاه الله ويتقبله عن صاحبه ، وقد استجاب له ربه أن يدفعه دفعا إلهاميا وتوفيقا ربانيا لأن يشكر نعمة الله عليه وعلي والديه بالإِسلام ، وأن يدفعه كذلك إلى العمل الصالح الذي يرضاه الله ويتقبله عن صاحبه ، وقد استجاب الله تعالى له فآمن أولاده أجمعون ذكورا إناثا ، وقوله { إني تبت إليك وإني من المسلمين } هذا توسل منه رضي الله وهو الخضوع لله والانقياد لأمره ونهيه .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب البر بالوالدين بطاعتهما في المعروف والإِحسان بهما بعد كف الأذى عنهما .

- الإشارة إلى أن مدة الحمل قد تكون ستة أشهر فأكثر ، وأن الرضاع قد يكون حولين فأقل .

- جواز التوسل بالتوبة إلى الله والانقياد له بالطاعة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

{ 15-16 } { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }

هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة وغير ذلك من وجوه الإحسان .

ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة ، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين ،

وإنما ذلك مدة طويلة قدرها { ثَلَاثُونَ شَهْرًا } للحمل تسعة أشهر ونحوها والباقي للرضاع هذا هو الغالب .

ويستدل بهذه الآية مع قوله : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع -وهي سنتان- إذا سقطت منها السنتان بقي ستة أشهر مدة للحمل ، { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي : نهاية قوته وشبابه وكمال عقله ، { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي } أي : ألهمني ووفقني { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ } أي : نعم الدين ونعم الدنيا ، وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها ومقابلته منته بالاعتراف والعجز عن الشكر والاجتهاد في الثناء بها على الله ، والنعم على الوالدين نعم على أولادهم وذريتهم لأنهم لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها ، خصوصا نعم الدين فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم .

{ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } بأن يكون جامعا لما يصلحه سالما مما يفسده ، فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله ويثيب عليه . { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي } لما دعا لنفسه بالصلاح دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم ، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله : { وَأَصْلِحْ لِي }

{ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } من الذنوب والمعاصي ورجعت إلى طاعتك { وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }