التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى} (58)

{ فاجعل بيننا وبينك موعدا } يحتمل أن يكون الموعد اسم مصدر أو اسم زمان أو اسم مكان ويدل على أنه اسم مكان قوله : { مكانا سوى } ، ولكن يضعف بقوله : { موعدكم يوم الزينة } لأنه أجاب بظرف الزمان ، ويدل على أن الموعد اسم زمان قوله : { يوم الزينة } ولكن يضعف بقوله : { مكانا سوى } ويدل على أنه اسم مصدر بمعنى الوعد قوله : { لا نخلفه } ، لأن الإخلاف إنما يوصف به الوعد لا الزمان ولا المكان ، ولكن يضعف ذلك بقوله : { مكانا } وبقوله : { يوم الزينة } ، فلابد على كل وجه من تأويل أو إضمار ويختلف إعراب قوله : { مكانا } باختلاف تلك الوجوه : فأما إن كان الموعد اسم مكان فيكون قوله : { موعدا } و{ مكانا } مفعولين لقوله : { اجعل } ، ويطابقه قوله : { يوم الزينة } من طريق المعنى ، لا من طريق اللفظ ، وذلك أن الاجتماع في المكان يقتضي الزمان ضرورة ، وإن كان الموعد اسم زمان فينتصب قوله : { مكانا } على أنه ظرف زمان ، والتقدير : موعدا كائنا في مكان ، وإن كان الموعد : اسم مصدر فينتصب { مكانا } على أنه مفعول بالمصدر وهو الموعد ، أو بفعل من معناه ، ويطابقه قوله : { يوم الزينة } على حذف مضاف تقديره موعدكم وعد يوم الزينة ، وقرأ الحسن : يوم الزينة بالنصب وذلك يطابق أن يكون الموعد اسم مصدر من غير تقدير محذوف .

{ مكانا سوى } معناه مستوى في القرب منا ومنكم ، وقيل : معناه : مستوى الأرض ليس فيه انخفاض ولا ارتفاع ، وقرئ بكسر السين وضمها ، والمعنى متفق .