" فلنأتينك بسحر مثله " أي لنعارضنك بمثل ما جئت به ليتبين للناس أن ما أتيت به ليس من عند الله . " فاجعل بيننا وبينك موعدا " هو مصدر ، أي وعدا . وقيل : الموعد اسم لمكان الوعد ، كما قال تعالى : " وإن جهنم لموعدهم أجمعين{[11100]} " [ الحجر : 43 ] فالموعد ها هنا مكان . وقيل : الموعد اسم لزمان الوعد ؛ كقوله تعالى : " إن موعدهم الصبح " {[11101]} [ هود : 81 ] فالمعنى : اجعل لنا يوما معلوما ، أو مكانا معروفا . قال القشيري : والأظهر أنه مصدر ولهذا قال : " لا نخلفه نحن ولا أنت " أي لا نخلف ذلك الوعد ، والإخلاف أن يعد شيئا ولا ينجزه . وقال الجوهري والميعاد المواعدة والوقت والموضع وكذلك الموعد . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج " لا نخلفه " بالجزم جوابا لقوله " اجعل " ومن رفع فهو نعت ل " موعد " والتقدير . موعدا غير مخلف . " مكانا سوى " قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة " سوى " بضم السين . الباقون بكسرها ، وهما لغتان مثل عُدا وعِدا وطُوى وطِوى . واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السين لأنها اللغة العالية الفصيحة . وقال النحاس : والكسر أعرف وأشهر . وكلهم نونوا الواو ، وقد روي عن الحسن ، واختلف عنه ضم السين بغير تنوين . واختلف في معناه فقيل : سوى هذا المكان ، قاله الكلبي . وقيل مكانا مستويا يتبين للناس ما بينا فيه ، قاله ابن زيد . ابن عباس : نصفا . مجاهد : منصفا ، وعنه أيضا وقتادة عدلا بيننا بينك . قال النحاس : وأهل التفسير على أن معنى " سوى " نصف وعدل وهو قول حسن ، قال سيبويه يقال : سوى وسوى أي عدل ، يعني مكانا عدل ، بين المكانين فيه النصفة ، وأصله من قولك : جلس في سواء الدار بالمد أي في وسطها ، ووسط كل شيء أعدله ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا{[11102]} " [ البقرة : 143 ] أي عدلا ، وقال زهير :
أرونَا خُطَّةً لا ضَيْمَ فيها *** يُسَوِّي بيننا فيها السَّوَاءُ
وقال أبو عبيدة والقتبي : وسطا بين الفريقين ، وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي
وإنَّ أبانا كان حَلَّ ببلدة*** سوىً بين قيسٍ قيسِ عَيْلاَنَ والفِزْرِ
والفزر : سعد بن زيد مناة بن تميم . وقال الأخفش : " سوى " إذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات : إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعا . وإن فتحت مددت ، تقول : مكان سوى وسوى وسواء ، أي عدل ووسط فيما بين الفريقين . قال موسى بن جابر :
البيت . وقيل : " مكانا سوى " أي قصدا ، وأنشد صاحب هذا القول :
لو تَمَنَّتْ حبيبتي ما عَدَتْنِي*** أو تَمَنَّيْتُ ما عدوتُ سواهَا
وتقول : مررت برجل سواك وسواك وسوائك أي غيرك . وهما في هذا الأمر سواء وإن شئت سواءان . وهم سواء للجمع وهم أسواء ، وهم سواسية مثل ثمانية على غير قياس . وانتصب " مكانا " على المفعول الثاني ل " جعل " . ولا يحسن انتصابه بالموعد على أنه مفعول أو ظرف له ؛ لأن الموعد قد وصف ، والأسماء التي تعمل عمل الأفعال إذا وصفت أو صغرت لم يسغ أن تعمل لخروجها عن شبه الفعل ، ولم يحسن حمله على أنه ظرف وقع موقع المفعول الثاني ؛ لأن الموعد إذا وقع بعده ظرف لم تجره العرب مجرى المصادر مع الظروف ، لكنهم يتسعون فيه كقوله تعالى : " إن موعدهم الصبح " {[11103]} [ هود : 81 ]
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.