إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى} (58)

ثم ادّعى أنه يعارضه بمثل ما أتى به عليه الصلاة والسلام فقال : { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى } .{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ } الفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللامُ جوابُ قسمٍ محذوف كأنه ، قيل : إذا كان كذلك فوالله لنأتينك بسحر مثلِ سحرِك { فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً } أي وعداً كما ينبئ عنه وصفُه بقوله تعالى : { لاَّ نُخْلِفُهُ } فإنه المناسبُ لا المكانُ والزمانُ أي لا نخلف ذلك الوعد { نَحْنُ وَلا أَنتَ } وإنما فوّض اللعينُ أمرَ الوعد إلى موسى عليه الصلاة والسلام للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب وضيقِ المجال وإظهارِ الجلادة وإراءة أنه متمكّنٌ من تهيئه أسباب المعارضةِ وترتيبِ آلاتِ المغالبة طال الأمدُ أم قصُر ، كما أن تقديمَ ضميره على ضمير موسى عليه الصلاة والسلام وتوسيطَ كلمةِ النفي بينهما للإيذان بمسارعته إلى عدم الإخلافِ وأن عدم إخلافِه لا يوجب إخلافَه عليه الصلاة والسلام ، ولذلك أُكّد النفيُ بتكرير حرفِه ، وانتصابُ { مَكَاناً سُوًى } بفعل يدل عليه المصدرُ لا به فإنه موصوفٌ أو بأنه بدلٌ من موعداً على تقدير مكان مضاف إليه فحينئذ تكون مطابقةُ الجواب في قوله تعالى : { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة وأن يحشر الناس ضحى } .