قوله : { فَلَنَأتِيَنََّكَ } جواب قسم محذوف تقديره : والله لنأتينَّكَ . وقوله { بِسِحْرٍ } يجوز أن يتعلق بالإتيان{[24986]} وهذا{[24987]} هو الظاهر . ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حال من فاعل الإتيان أي ملتبسين{[24988]} بسحرٍ{[24989]} .
قوله : { مَوْعِداً } يجوز أن يكون زماناً كقوله : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح }{[24990]} ويرجحه قوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة } ، ( والمعنى : عَيَّن لنا وَقْتَ اجتماعنا ، ولذلك أجابهم بقوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة }{[24991]} وضعَّفوا هذا بأنه ينبو عنه قوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة } .
وبقوله : { لاَ نُخْلِفُه } . وأجاب{[24992]} عن قوله : { لاَ نُخْلِفُهُ } بأن المعنى : لا نخلف الوقت في الاجتماع فيه{[24993]} . ويجوز أن يكون مكاناً . والمعنى : بَيِّنْ لنا مكاناً معلوماً نعرفه نحن وأنت فنأتيه ، ويؤيد{[24994]} بقوله : { مَكَاناً سُوًى } . قال{[24995]} فهذا يدل على أنه مكان ، وهذا يَنْبُو عنه قوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة } ، ويجوز أن يكون مصدراً أي اجعل بيننا وبينك وعداً لا نخلِفه ، ويؤيد هذا قوله{[24996]} : { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ } ، لأن الموعد هو الذي يصح وصفه بالخلف وعدمه{[24997]} ، وإلى هذا نحا جماعة مختارين له{[24998]} ويُرَدُّ عليهم بقوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة } ( فإنه لا يطابقه ){[24999]} .
وقال الزمخشري : إن جعلته زماناً نظراً في أن قوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة }{[25000]} مطابق{[25001]} له ، لزمك شيئان : أن تجعل الزمان مخلفاً{[25002]} ، وأن يعضل{[25003]} عليك ناصب مكاناً ، ( وإن جعلته مكاناً ){[25004]} لقوله : { مَكَاناً سُوى } لزمك أيضاً أن توقع الإخلاف على المكان ، وأن لا يطابق{[25005]} قوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة } ، وقراءة الحسن غير مطابقة له زماناً ومكاناً جميعاً{[25006]} ، لأنه قرأ " يَوْمَ الزِّينَةِ " بالنصب ، فقي أن يُجْعَل{[25007]} مصدراً يعني الوعد ، ويقدِّر مضاف محذوف أي{[25008]} : مكان الوعد ، ويجعل الضمير في " تُخْلِفُه " للموعد ، و " مكاناً " بدل من المكان{[25009]} المحذوف . فإن قلت{[25010]} : فكيف طابقه{[25011]} قوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة } ولا بد من أن تجعله زماناً والسؤال واقع عن المكان لا عن الزمان ؟ قلت{[25012]} : هو مطابق معنى وإن لم يطابقه لفظاً ، لأنهم لا بدَّ لهم أن يجتمعوا يوم الزينة في مكان بعينه مشتهر باجتماعهم فيه في ذلك الزمان ، فبذكر الزمان علم المكان وأما قراءة الحسن فالموعد فيها مصدر{[25013]} لا غير ، والمعنى : إنجاز وَعْدِكم يوم الزينة ، وطابق هذا أيضاً من طريق المعنى ، ويجوز أن لا يقدر مضاف محذوف ويكون المعنى : اجْعَلْ بينَنَا وبينَك وَعْداً لا نُخْلِفُه{[25014]} .
وقال أبو البقاء : هو هنا مصدر لقوله : { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ{[25015]} } والجعل هنا بمعنى التصير و " مَوْعِداً " مفعول أول ، والظرف هو الثاني ، والجملة من قوله : { لاَ نُخْلِفُهُ } صفة لموعد ، و " نَحْنُ " توكيدٌ مصحِّحٌ للعطف على الضمير المرفوع{[25016]} المستتر في " نُخْلِفُه " {[25017]} و{[25018]} " مكاناً " بدل من المكان المحذوف كما قدره الزمخشري{[25019]} . وجوز أبو علي الفارسي وأبو البقاء أن ينتصب " مَكَاناً " على المفعول الثاني ل " اجْعَلْ " قال : و " مَوْعِداً " على هذا مكان أيضاً ، ولا ينتصب بموعد لأنه مصدر قد وصف{[25020]} .
يعني{[25021]} أنه يصح " نصبه مفعولاً ثانياً ، ولكن بشرط أن يكون الموعد بمعنى المكان ليطابق المبتدأ الخبر ){[25022]} في الأصل . وقوله : ولا ينتصب بالمصدر يعني أنه لا يجوز أن يدعي انتصاب " مَكَاناً " بموعد ، والمراد بالموعد المصدر ، وإن كان جائزاً من جهة المعنى ، لأن الصناعة تأباه ( وهو وصف المصدر . والمصدر شرط إعماله : عدم وصفه قبل العمل عند الجمهور{[25023]} ){[25024]} .
وهذا الذي منعه الفارسي وأبو البقاء جوزه الزمخشري وبدأ به فقال : فإن قلت : فيم ينتصب " مكاناً " ؟ قلت " بالمصدر أو بما{[25025]} يدل عليه المصدر . فإن قلت{[25026]} : كيف يطابقه ( فالجواب ){[25027]} : قلت{[25028]} : أما على قراءة{[25029]} الحسن فظاهر ، وأما على قراءة العامة فعلى تقدير : ( وَعْدَكم وَعْدَ يوم زينة{[25030]} .
قال أبو حيان : وقوله : إنَّ " مكاناً " ينتصب بالمصدر ){[25031]} ليس بجائز ، لأنه قد وصف{[25032]} قبل العمل بقوله : { لاَ نُخْلِفُه } ، وهو موصول ، والمصدر إذا وصف قبل العمل لم يجز أن يعمل عندهم{[25033]} . قال شهاب{[25034]} الدين : الظروف والمجرورات يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها ، وفي المسألة خلاف مشهور . وأبو القاسم{[25035]} نحا إلى جواز ذلك{[25036]} .
وجعل الحوفيُّ انتصاب " مكاناً " على الظرف وانتصابه ب " اجْعَل " {[25037]} فتحصل في نصب " مكاناً " خمسة أوجه :
أحدها : أنه{[25038]} بدلٌ من ( مكاناً ) المحذوف .
الثاني : أنَّه مفعول ثانٍ{[25039]} للجَعْل .
الثالث : أنّهُ نُصبَ بإضمار فعل .
الرابع : أنَّه منصوبٌ بنفس المصدر .
الخامس : أنَّه منصوبٌ على الظرف بنفس " اجْعِلْ " {[25040]} .
وقرأ أبو جعفر وشيبة : " لا نُخْلِفْه " بالجزم على جواب الأمر والعامة بالرفع على الصفة لموعدكم{[25041]} كما تقدم{[25042]} .
وقرأ ابن{[25043]} عامر وحمزة وعاصم والحسن{[25044]} : " سُوًى " بضم السين منوناً وصلاً .
والباقون : بكسرها{[25045]} . وهما لغتان مثل : عِدًى وعُدًى وطِوًى وطُوًى{[25046]} ، فالكسر{[25047]} والضم على أنها صفة بمعنى مكان عدلٍ إلاَّ أنَّ الصفة على فُعَل كثيرة{[25048]} نحو لُبَد وحُطَم{[25049]} ( وقليلة على فِعَل{[25050]} .
ولم ينوِّن الحسن " سُوَى " {[25051]} أجرى الوصل مجرى الوقف ولا جائز أن يكون منع صرفه للعدل وعلى فُعَل كعُمَر ، لأن ذلك في الأعلام ، وأما فُعَل في الصفات فمصروفة نحو حُطَم ، ولُبد{[25052]} ){[25053]} .
وقرأ عيسى بن عمر " سِوَى " بالكسر من غير تنوين{[25054]} وهي كقراءة الحسن في التأويل{[25055]} . ( وسوى معناه : عدلاً ونصفة . قال الفارسي : كأنه قال قربهُ منكُم قِرْبَةً منَّا{[25056]} .
قال الأخفش ){[25057]} : " سوى " مقصور إن كسرت سينه أو ضممت ، وممدود إن فتحتها ، ثلاث لغات ، ويكون فيها جميعاً بمعنى غَيْر{[25058]} ، وبمعنى عدل ووسط بين الفريقين ، قال الشاعر :
وَإنَّ أبَانَا{[25059]} كَانَ حَلَّ بِبَلْدَةٍ *** سِوًى بَيْنَ قَيْسٍ قَيْسِ عَيْلاَنَ والفِزَرْ{[25060]}
قال : وتقول : مررتُ برجل سِواك وسُواك وسَوائِك{[25061]} أي غيرك ، ويكون للجميع وأعلى هذه اللغات الكسر . قاله النحاس{[25062]} .
وزعم بعض أهل اللغة والتفسير أنَّ معنى : " مَكَاناً سوًى " مستوٍ من الأرض ولا وعر فيه ولا جبل{[25063]} .
قال مقاتل وقتادة : مكاناً وعدلاً بيننا وبينك{[25064]} . وعن ابن عباس نصفاً{[25065]} أي : يستوي مسافة الفريقين إليه . وقال مجاهد : منصفاً بيننا . قال الكلبي : مكاناً سوى هذا المكان الذي نحن فيه .
وقال{[25066]} ابن زيد : مستوٍ لا يحجب العين ما فيه من الارتفاع والانخفاض حتى يشاهد كل الحاضرين كل{[25067]} ما يجري{[25068]} .