فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى} (58)

{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مثْلِهِ } الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام هي الموطئة للقسم ، أي والله لنعارضنك بمثل ما جئت به من السحر ، حتى يتبين للناس أن الذي جئت به سحر يقدر على مثله الساحر . { فاجعل بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً } هو مصدر ، أي وعداً . وقيل : اسم مكان ، أي اجعل لنا يوماً معلوماً ، أو مكاناً معلوماً لا نخلفه . قال القشيري : والأظهر أنه مصدر ، ولهذا قال : { لاَ نُخْلِفُهُ } أي لا نخلف ذلك الوعد . والإخلاف أن تعد شيئاً ولا تنجزه . قال الجوهري : الميعاد : المواعدة والوقت والموضع ، وكذلك الموعد . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج : «لا نُخْلِفُهُ » بالجزم على أنه جواب لقوله : { اجعل } . وقرأ الباقون بالرفع على أنه صفة لموعداً ، أي لا نخلف ذلك الوعد { نَحْنُ وَلا أَنتَ } وفوّض تعيين الموعد إلى موسى ؛ إظهاراً لكمال اقتداره على الإتيان بمثل ما أتى به موسى . وانتصاب : { مَكَاناً سوًى } بفعل مقدّر يدل عليه المصدر ، أو على أنه بدل من موعد . قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة : «سوى » بضم السين ، وقرأ الباقون بكسرها وهما لغتان . واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السين ، لأنها اللغة العالية الفصيحة ، والمراد : مكاناً مستوياً . وقيل : مكاناً منصفاً عدلاً بيننا وبينك . قال سيبويه : يقال : سِوًى وسُوًى ، أي عدل ، يعني عدلاً بين المكانين . قال زهير :

أرونا خطة لا ضيم فيها *** يسوّى بيننا فيها السواء

قال أبو عبيدة والقتيبي : معناه مكاناً وسطاً بين الفريقين ، وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي :

وجدنا أبانا كان حلّ ببلدة *** سوّى بين قيس غيلان والفزر

والفزر : سعد بن زيد مناة .

/خ59