مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى} (58)

ولما علم أن المعجز إنما يتميز عن السحر لكون المعجز مما يتعذر معارضته والسحر مما يمكن معارضته قال : { فلنأتينك بسحر مثله } أما قوله تعالى : { فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت } فاعلم أن الموعد يجوز أن يكون مصدرا ويجوز أن يكون اسما لمكان الوعد كقوله :{ وإن جهنم لموعدهم أجمعين } وأن يكون اسما لزمان الوعد كقوله : { إن موعدهم الصبح } والذي في هذه الآية بمعنى المصدر أي اجعل بيننا وبينك وعدا لا نخلفه لأن الوعد هو الذي يصح وصفه بالخلف . أما الزمان والمكان فلا يصح وصفهما بذلك ، ومما يؤكد ذلك أن الحسن قرأ يوم الزينة بالنصب وذلك لا يطابق المكان والزمان وإنما نصب مكانا لأنه هو المفعول الثاني للجعل والتقدير اجعل مكان موعد لا نخلفه مكانا سوى . أما قوله : { سوى } فاعلم أنه قرأ عاصم وحمزة وابن عامر { سوى } بضم السين والباقون بكسرها وهما لغتان مثل طوى وطوى ، وقرئ أيضا منونا وغير منون ، وذكروا في معناه وجوها : أحدها : قال أبو علي مكانا تستوي مسافته على الفريقين وهو المراد من قول مجاهد قال قتادة منصفا بيننا . وثانيها : قال ابن زيد : { سوى } أي مستويا لا يحجب العين ما فيه من الارتفاع والانخفاض فسوى على التقدير الأول صفة المسافة وعلى هذا التقدير صفة المكان والمقصود أنهم طلبوا موضعا مستويا لا يكون فيه ارتفاع ولا انخفاض حتى يشاهد كل الحاضرين كل ما يجري . وثالثها : مكانا يستوي حالنا في الرضاء به . ورابعها : قال الكلبي : مكانا سوى هذا المكان الذي نحن فيه الآن .