تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

يقول تعالى ذامًّا لمن كذب بالبعث ، وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى ، معرضا عما أنزل الله على أنبيائه ، متبعًا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد ، من الإنس والجن ، وهذا حال أهل الضلال{[19997]} والبدع ، المعرضين عن الحق ، المتبعين للباطل ، يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين ، ويتبعون أقوال رءوس الضلالة ، الدعاة إلى البدع بالأهواء والآراء ، ولهذا قال في شأنهم وأشباههم : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، أي : علم صحيح ، { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ }


[19997]:- في ت : "الضلالة".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

{ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلا .

يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا بعث بعد الموت هي تعمه وأضرابه . { ويتبع } في المجادلة أو في عامة أحواله . { كل شيطان مريد } متجرد للفساد وأصله العري .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيۡطَٰنٖ مَّرِيدٖ} (3)

عطف على جملة { ياأيها الناس اتقوا ربكم } [ الحج : 1 ] ، أي الناس فريقان : فريق يمتثل الأمر فيتقي الله ويخشى عذابه ، وفريق يعرض عن ذلك ويعارضه بالجدل الباطِل في شأن الله تعالى من وحدانيته وصفاته ورسالته . وهذا الفريق هم أيمة الشرك وزعماء الكفر لأنهم الذين يتصدّون للمجادلة بما لهم من أغاليط وسفسطة وما لهم من فصاحة وتمويه .

والاقتصارُ على ذكرهم إيماء إلى أنهم لولا تضليلهم قومَهم وصدهم إياهم عن متابعة الدين لاتّبع عامة المشركين الإسلام لظهور حجته وقبولها في الفطرة .

وقيل : أريد ب { من يجادل في الله } النضر بن الحارث أو غيره كما سيأتي ، فتكون ( مَن ) الموصولة صادقة على متعدد عامة لكل مَن تصدق عليه الصلة .

والمجادلة : المخاصمة والمحاجّة . والظرفية مجازية ، أي يجادل جدلاً واقعاً في شأن الله . ووصف الجدل بأنه بغير علم ، أي جدلاً ملتبساً بمغايرة العلم ، وغير العلم هو الجهل ، أي جدلاً ناشئاً عن سوء نظر وسوء تفكير فلا يعلم ما تقتضيه الألوهية من الصفات كالوحدانية والعلم وفعل ما يشاء .

واتباع الشيطان : الانقياد إلى وسوسته التي يجدها في نفسه والتي تلقاها بمعتاده والعمل بذلك دون تردد ولا عَرض على نظر واستدلال .

وكلمة ( كل ) في قوله { كل شيطان } مستعملة في معنى الكثرة . كما سيأتي قريباً عند قوله تعالى : { وعلى كل ضامر } [ الحج : 27 ] في هذه السورة . وتقدم في تفسير قوله تعالى : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } في [ سورة البقرة : 145 ] .

والمَرِيد : صفة مُشبهة مِن مَرُد بضم الراء على عمل ، إذا عتا فيه وبلغ الغاية التي تتجاوز ما يكون عليه أصحاب ذلك العمل ، وكأنه مُحول مِن مَرَد بفتح الراء بمعنى مَرَن إلى ضم الراء للدلالة على أن الوصف صار له سجية ، فالمريد صفة مشبهة ، أي العاتي في الشيطنة .