تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

يخبر تعالى عن عدله [ وكرمه ]{[31]} أنه لا يساوي في حُكمه يوم القيامة مَنْ كان مُؤمنًا بآياته متبعًا لرسله ، بمن كان فاسقا ، أي : خارجا عن طاعة ربه مكذِّبًا لرُسُله إليه{[32]} ، كما قال تعالى : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الجاثية : 21 ] ، وقال تعالى : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ ص : 28 ] ، وقال تعالى : { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ الحشر : 20 ] ؛ ولهذا قال تعالى هاهنا : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ } أي : عند الله يوم القيامة . وقد ذكر عطاء بن يَسَار والسُّدِّيّ وغيرهما : أنها نزلت في علي بن أبي طالب ، وعقبة بن أبي مُعَيط ؛ ولهذا فَصَّل حكمهم فقال : { أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }


[31]:في ف، أ: "قال لى".
[32]:في ت: "كبده".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

{ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا } خارجا عن الإيمان { لا يستوون } في الشرف والمثوبة تأكيد وتصريح والجمع للحمل على المعنى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

وقوله تعالى : { أفمن كان مؤمناً } الآية ، روي عن عطاء بن يسار أنها نزلت في علي بن أبي طالب : والوليد بن عقبة بن أبي معيط وذلك أنهما تلاحيا فقال لها الوليد : أنا أبسط منك لساناً وأحد سناناً وأرد للكتيبة ، فقال له علي بن أبي طالب : اسكت فإنك فاسق ، فنزلت الآية{[9431]} .

وذكر الزجاج والنحاس وغيرهما أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط ، وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية ، لأن عقبة لم يكن بالمدينة وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر ، ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان فيه أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن حتى نزلت فيه { إن جاءكم فاسق بنبأ }{[9432]} [ الحجرات : 6 ] ويحتمل أيضاً أن تطلق الشريعة ذلك عليه لأنه كان على طرف مما يبغي وهو الذي شرب الخمر في خلافة عثمان وصلى الصبح بالناس أربعاً ثم التفت وقال : أتريدون أن أزيدكم ونحو هذا مما يطول ذكره .


[9431]:ذكره الشوكاني في فتح القدير، ونسب إخراجه إلى أبي الفرج الأصبهاني في الأغاني، والواحدي وابن عدي، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر، من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنا أحد منك سنانا،وأنشط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك، فقال له علي رضي الله عنه: اسكت فإنما أنت فاسق. فنزلت الآية.
[9432]:من الآية 6 من سورة الحجرات.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أفهذا الكافر المكذّب بوعد الله ووعيده، المخالف أمر الله ونهيه، كهذا المؤمن بالله، المصدّق بوعده ووعيده، المطيع له في أمره ونهيه؟ كلا لا يستوون عند الله. يقول: لا يعتدل الكفّار بالله، والمؤمنون به عنده، فيما هو فاعل بهم يوم القيامة. وقال:"لا يَسْتَوُونَ" فجمع، وإنما ذكر قبل ذلك اثنين: مؤمنا، وفاسقا، لأنه لم يرد بالمؤمن: مؤمنا واحدا، وبالفاسق: فاسقا واحدا، وإنما أريد به جميع الفسّاق، وجميع المؤمنين بالله. فإذا كان الاثنان غير مصمود لهما، ذهبت بهما العرب مذهب الجمع.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

إنكم تعرفون في عقولكم أن ليس المؤمن المصدق في الشاهد في المنزلة والقدر عنده كالخارج عن أمره والمكذب له. فكيف تطمعون الاستواء عند الله، وأنتم الفسقة الخارجون عن أمر الله، وأولئك هم الصادقون له؟.

هذا الفاسق المذكور في الآية ليس بمؤمن، وأنه لا يستوي المؤمن والفاسق لأنه ذكر الفسق مقابل الإيمان؛ دليله آخر الآية حيث قال: {ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [السجدة: 20]، ذكر التكذيب، والتكذيب هو مقابل الإيمان والتصديق؛ وكل فسق، كان مذكورا مقابل الإيمان هو كفر وتكذيب، فهو لا يكون مؤمنا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم قال تعالى "أفمن كان مؤمنا "مصدقا بالله عارفا به وبأنبيائه عاملا بما أوجبه الله عليه وندبه اليه "كمن كان فاسقا" خارجا عن طاعة الله بارتكاب معاصيه على وجه الإنكار لذلك، فلذلك جاء به على لفظ الاستفهام.

ثم أخبر تعالى بأنهم "لا يستوون" قط، لان منزلة المؤمن الثواب وأنواع اللذات، ومنزلة الفاسق العذاب وفنون العقاب.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أفمن كان في رَوْحِ القربة ونسيم الزلفة كمن هو في هوْل العقوبة يعاني مشقة الكلفة؟ أفمن هو في رَوْح إقبالنا عليه كمن هو محنة إعراضنا عنه؟ أفمن بقي معنا كمنْ بقي عَنَّا؟أفمنْ هو في نهار العرفان وضياء الإحسان كمن هو في ليالي الكفران ووحشة العصيان؟ أَفمن أُيِّدَ بنور البرهان وطلعت عليه شموسُ العرفان كمن ربطَ بالخذلان ووُسم بالحرمان؟ لا يستويان ولا يلتقيان!

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كانوا أهل بلاغة ولسن، وبراعة: وجدل، فكان ربما قال متعنتهم: ما له إذا كان ما تزعمون من أنه لا يبالي بشيء ولا ينقص من خزائنه شيء وهو العزيز الرحيم، لا يسوي بين الكل في إدخال الجنة، والمن بالنعيم فيعمهم بالرحمة الظاهرة كما عمهم بها في الدينا كما هو دأب المحسنين؟ تسبب عن ذلك أن قال منكراً لذلك مشيراً إلى أن المانع منه خروجه عن الحكمة، فإن تلك دار الجزاء، وهذه دار العمل، فبينهما بون: {أفمن كان} أي كوناً كأنه من رسوخه جبلي {مؤمناً} أي راسخاً في التصديق العظيم بجميع ما أخبرت به الرسل {كمن كان}... {فاسقاً} أي راسخاً في الفسق خارجاً عن دائرة الإذعان...

ولما توجه الاستفهام إلى كل من اتصف بهذا الوصف، وكان الاستفهام إنكارياً، عبر عن معناه مصرحاً بقوله: {لا يستوون} إشارة -بالحمل على لفظ "من "مرة ومعناها أخرى- إلى أنه لا يستوي جمع من هؤلاء بجمع من أولئك ولا فرد بفرد...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وأمام مشهد المجرمين البائس الذليل؛ ومشهد المؤمنين الناعم الكريم، يعقب بتلخيص مبدأ الجزاء العادل، الذي يفرق بين المسيئين والمحسنين في الدنيا أو الآخرة؛ والذي يعلق الجزاء بالعمل، على أساس العدل الدقيق، وما يستوي المؤمنون والفاسقون في طبيعة ولا شعور ولا سلوك، حتى يستووا في الجزاء في الدنيا وفي الآخرة سواء. والمؤمنون مستقيمو الفطرة متجهون إلى الله، عاملون على منهاجه القويم. والفاسقون منحرفون شاردون مفسدون في الأرض لا يستقيمون على الطريق الواصل المتفق مع نهج الله للحياة، وقانونه الأصيل. فلا عجب إذن أن يختلف طريق المؤمنين والفاسقين في الآخرة، وأن يلقى كل منهما الجزاء الذي يناسب رصيده وما قدمت يداه.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

لأن الاتفاق في الصفات الذاتية في العلم والقدرة والجمال والمال والجاه ونحوها لا يعني الاتفاق في القيمة في ما هو التقييم العملي الإنساني في الشخصية، لأن حركية الإنسان هي سرّ معناه، في ما توحي به من عمق الإيمان، ومن امتداده في حياته وانقياده لربه، فلا يستوي المؤمن الملتزم الذي عاش التزامه في إيمانه وعاش إيمانه في حركة مسؤوليته، والفاسق الخارج عن خط الالتزام بالله ورسله وشريعته في ما هو وعي الإيمان، وفي ما هي حركة العمل. وهذا هو ما يجب أن يعيشه الخط الإسلامي العملي في عملية التقييم، ليكون الأكثر إيماناً وعملاً، هو الأقرب إلى الروح والعقل والشعور، والأفضل في درجات الاحترام.