فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

{ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ؟ } الاستفهام للإنكار أي ليس المؤمن كالفاسق . فقد ظهر ما بينهما من التفاوت والتباين ، ولهذا قال { لا يَسْتَوُونَ } ففيه زيادة تصريح لما أفاده الإنكار الذي أفاده الاستفهام على أبلغ وجه وآكده ليبني عليه التفصيل الآتي ، قال الزجاج جعل الاثنين جماعة حيث قال لا يستوون ، لأجل معنى { من } وقيل لكون الاثنين أقل الجمع . وقيل أراد الجنس منهما ، ولم يرد مؤمنا واحدا ، ولا فاسقا واحدا ، وهذا أولى ، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .

وفي السمين أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعمد الوقف على فاسقا ، ويبتدئ بقوله لا يستوون . أي في المآل ، والمستقر ، أو في الشرف والمثوبة ، والضمير فيه لمن الواقعة على الفريقين ، وفيه مرعاة معناها بعد مراعاة لفظها ، والمراد بالفسق الكامل بقرينة المقابلة للمؤمنين ، وإلا فالمؤمن قد يكون فاسقا ، ونظيره : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } ؟ وقوله : { أم حسب الذين اجترحوا السيئآت } الآية ، إذ ليس كل مجرم ومسيء كافرا .

وعن ابن عباس قال : قال الوليد بن عتبة لعلي بن أبي طالب : أنا أحد منك سنانا ، وأشجع جنانا ، وأبسط منك لسانا ، وأملأ حشوا للكتيبة منك فقال له علي : اسكت فإنما أنت فاسق ، فنزلت هذه الآية ، يعني بالمؤمن عليا ، وبالفاسق الوليد وروى نحو هذا عن عطاء بن يسار ، والسدي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ثم بين سبحانه عاقبة حال الطائفتين وبدأ بالمؤمنين فقال : { أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى }