نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنٗا كَمَن كَانَ فَاسِقٗاۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ} (18)

ولما كانوا أهل بلاغة ولسن ، وبراعة : وجدل ، فكان ربما قال متعنتهم : ما له إذا كان ما تزعمون من أنه لا يبالي بشيء ولا ينقص من خزائنه شيء وهو العزيز الرحيم ، لا يسوي بين الكل في إدخال الجنة ، والمن بالنعيم فيعمهم بالرحمة الظاهرة كما عمهم بها في الدينا كما هو دأب المحسنين ؟ تسبب عن ذلك أن قال منكراً لذلك مشيراً إلى أن المانع منه خروجه عن الحكمة ، فإن تلك دار الجزاء ، وهذه دار العمل ، فبينهما{[54797]} بون : { أفمن كان } أي كوناً كأنه من رسوخه جبلي { مؤمناً } أي راسخاً في التصديق العظيم بجميع ما أخبرت به الرسل { كمن كان } ولما كان السياق منسوقاً على دليل { مالكم من دونه من ولي ولا شفيع } - الآية ، فكان الكافر خارجاً عن محيط ذلك الدليل الذي لا يخفي بوجه على أحد له سمع وبصر وفؤاد ، اقتضى الحال التعبير بالفسق الذي هو الخروج عن محيط فقال{[54798]} : { فاسقاً } أي راسخاً في الفسق خارجاً عن دائرة الإذعان .

ولما توجه الاستفهام{[54799]} إلى كل من اتصف بهذا الوصف ، وكان الاستفهام إنكارياً ، عبر عن معناه مصرحاً بقوله : { لا يستوون } إشارة - بالحمل على لفظ " من " مرة{[54800]} ومعناها أخرى - إلى أنه لا يستوي جمع من هؤلاء بجمع من أولئك ولا فرد بفرد .


[54797]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فبينها.
[54798]:زيد من ظ ومد.
[54799]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الإذعان.
[54800]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مر.