يخبر تعالى عن قيل{[15592]} المشركين : { لَوْلا } أي : هلا { أُنزلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ } كما قالوا : { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ } [ الأنبياء : 5 ] وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة ، وإن الله قادر على إجابة ما سألوا . وفي الحديث : أن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهبًا ، وأن يجري لهم ينبوعًا ، وأن يزيح الجبال من حول مكة فيصير مكانها مروج وبساتين : إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك ، فإن كفروا فإني أعذبهم عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين ، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة ، فقال : " بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة " {[15593]} ؛ ولهذا قال لرسوله : { قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي : هو المضل والهادي ، سواء بعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا ، أو لم يجبهم إلى سؤالهم ؛ فإن الهداية والإضلال ليس منوطا بذلك ولا عدمه ، كما قال : { وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] وقال { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96 ، 97 ] وقال { وَلَوْ أَنَّنَا نزلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } [ الأنعام : 111 ] ؛ ولهذا قال : { قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي : ويهدي من أناب إلى الله ، ورجع إليه ، واستعان به ، وتضرع لديه .
{ ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء } باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات . { ويهدي إليه من أناب } أقبل إلى الحق ورجع عن العناد ، وهو جواب يجري مجرى التعجب من قولهم كأنه قال قل لهم ما أعظم عنادكم إن الله يضل من يشاء ممن كان على صفتكم ، فلا سبيل إلى اهتدائهم و إن أنزلت كل آية ، ويهدي إليه من أناب بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات .
وقوله تعالى : { ويقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية } الآية ، هذا رد على مقترحي الآيات من كفار قريش ، كسقوط السماء عليهم كسفاً ونحو ذلك من قولهم : سيَّر عنا الأخشبين واجعل لنا البطاح محارث ومغترساً كالأردن ، وأحي لنا قصيّاً وأسلافنا ، فلما لم يكن ذلك - بحسب أن آيات الاقتراح لم تجر عادة الأنبياء بالإتيان بها إلا إذا أراد الله تعذيب قوم - قالوا هذه المقالة ، فرد الله عليهم { قل . . . } أي أن نزول الآية لا تكون معه ضرورة إيمانكم ولا هداكم ، وإنما الأمر بيد الله { يضل من يشاء ويهدي } إلى طاعته والإيمان به { من أناب } إلى الطاعة وآمن بالآيات الدالة .
ويحتمل أن يعود الضمير في { إليه } على القرآن الكريم ، ويحتمل أن يعود على محمد عليه السلام{[6962]} . و { الذين } بدل من { من } في قوله : { من أناب } و «طمأنينة القلوب » هي الاستكانة والسرور بذكر الله . والسكون به كمالاً به . ورضى بالثواب عليه وجودة اليقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.