تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ} (65)

يذكر تعالى عن الملائكة أنهم أمروه أن يَسري بأهله بعد مضي جانب من الليل ، وأن يكون لوط ، عليه السلام ، يمشي وراءهم ، ليكون أحفظ لهم .

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الغَزاة بما كان يكون{[16201]} ساقة ، يُزجي الضعيف ، ويحمل المنقطع{[16202]}

وقوله : { وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ } أي : إذا سمعتم الصيحة بالقوم فلا تلتفتوا إليهم ، وذروهم فيما حل بهم من العذاب والنكال { وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } كأنه كان معهم من يهديهم السبيل .


[16201]:في ت: "في الغزو إنما كان"، وفي أ: "في الغزو وإنما يكون".
[16202]:رواه أبو داود في السنن برقم (2639) من حديث جابر ولفظه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو لهم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ} (65)

{ فأسر بأهلك } فاذهب بهم في الليل ، وقرأ الحجازيان بوصل الهمزة من السرى وهما بمعنى وقرئ " فسر " من السير . { بقطعٍ من الليل } في طائفة من الليل وقيل في آخره قال :

افتحي الباب وانظري في النجوم *** كم علينا من قطع ليل بهيم

{ واتبع أدبارهم } وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على حالهم . { ولا يلتفت منكم أحد } لينظر ما وراءه فيرى من الهول ما لا يطيقه أو فيصيبه ما أصابهم أو لا ينصرف أحدكم ولا يتخلف امرؤ لغرض فيصيبه العذاب . وقيل نهوا عن الالتفات ليوطئوا نفوسهم على المهاجرة . { وامضوا حيث تؤمرون } إلى حيث أمركم الله بالمضي إليه ، وهو الشام أو مصر فعدي { وامضوا } إلى " حيث وتؤمرون " إلى ضمير المحذوف على الاتساع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ} (65)

وقرأت فرقة «فاسر » بوصل الألف ، وقرأت فرقة «فأسر » بقطع الألف ، يقال سرى وأسرى بمعنى ، إذا سار ليلاً ، وقال النابغة : [ البسيط ]

أسرت عليه من الجوزاء سارية{[7198]} . . . فجمع بين اللغتين{[3]} في بيت ، وقرأ اليماني «فيسر بأهلك » ، وهذا الأمر بالسرى هو عند الله تعالى ، أي يقال لك ، و «القطع » الجزء من الليل ، وقرأت فرقة «بقطَع » بفتح الطاء حكاه منذر بن سعيد .

وقوله : { واتبع أدبارهم } أي كن خلفهم وفي ساقتهم حتى لا يبقى منهم أحد ولا يتلوى ، و { حيث } في مشهورها ظرف مكان ، وقالت فرقة أمر لوط أن يسير إلى زغر{[7199]} ، وقيل : إلى موضع نجاة غير معروف عندنا ، وقالت فرقة : { حيث } قد تكون ظرف زمان ، وأنشد أبو علي في هذا بيت طرفة : [ المديد ]

للفتى عقل يعيش به . . . حيث تهدي ساقه قدمه{[7199]}

كأنه قال مدة مشيه وتنقله ، وهذه الآية من حيث أمر أن يسري { بقطع من الليل } ثم قيل له «حيث تؤمر » . ونحن لا نجد في الآية أمراً له لا في قوله { بقطع من الليل } أمكن أن تكون { حيث } ظرف زمان ، و { يلتفت } مأخوذ من الالتفات الذي هو نظر العين ، قال مجاهد : المعنى لا ينظر أحد وراءه .

قال القاضي أبو محمد : ونهوا عن النظر مخافة العقلنة وتعلق النفس بمن خلف ، وقيل بل لئلا تتفطر قلوبهم من معاينة ما جرى على القرية في رفعها وطرحها . وقيل { يلتفت } معناه يتلوى من قولك لفت الأمر إذا لويته ، ومنه قولهم للعصيدة لفيتة لأنها تلوى ، بعضها على بعض{[7198]} .


[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[7198]:في بعض النسخ: "لأنها يلتوي بعضها على بعض".
[7199]:هو آخر بيت في قصيدة له مطلعها: أشجاك الربع أم قدمـــــه أم رماد دارس حممه؟ فيها يخاطب بني تغلب ويفخر عليهم في الحرب التي كانت بينهم و بين قومه بكر.