البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ} (65)

وتقدم الخلاف في القراءة في فأسر .

وروى صاحب الإقليد فسر من السير ، وحكاها ابن عطية وصاحب اللوامح عن اليماني .

وحكى القاضي منذر بن سعيد أنّ فرقة قرأت بقطع بفتح الطاء ، وتقدم الكلام في القطع وفي الالتفات في سورة هود .

وخطب الزمخشري هنا فقال : ( فإن قلت ) : ما معنى أمره باتباع أدبارهم ، ونهيهم عن الالتفات ؟ ( قلت ) : قد بعث الله الهلاك على قومه ونجاه وأهله ، إجابة لدعوته عليهم ، وخرج مهاجراً فلم يكن بد من الاجتهاد في شكر الله وإدامة ذكره وتفريغ باله ، لذلك فأمر بأن يقدمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه ، وليكون مطلعاً عليهم وعلى أهوالهم ، فلا يفرط منهم التفاتة احتشاماً منه ولا غيرها من الهفوات في تلك الحالة المهولة المحذورة ، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه ، وليكون مسيره مسير الهارب الذي تقدم سريه وتفوت به .

وحيث تؤمرون قال ابن عباس : الشام .

وقيل : موضع نجاة غير معروف .

وقيل : مصر .

وقيل : إلى أرض الخليل بمكان يقال له اليقين .

وحيث على بابها من أنها ظرف مكان ، وادعاء أنها قد تكون هنا ظرف زمان من حيث أنه ليس في الآية أمر إلا قوله : فأسر بأهلك بقطع من الليل ، ثم قيل له : حيث تؤمر ضعيف .

ولفظ تؤمر يدل على خلاف ذلك ، إذ كان يكون التركيب من حيث أمرتم ، وحيث من الظروف المكانية المبهمة ، ولذلك يتعدّى إليها الفعل وهو : امضوا بنفسه ، تقول : قعدت حيث قعد زيد ، وجاء في الشعر دخول في عليها .

قال الشاعر :

فأصبح في حيث التقينا شريدهم *** طليق ومكتوف اليدين ومرعف