اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَٱمۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ} (65)

{ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل } والقِطْعُ والقَطع : آخر الليل ؛ قال : [ الخفيف ]

افْتَحِي البَابَ وانظُرِي في النُّجُومِ *** كَم عليْنَا مِن قِطْعِ ليْلٍ بَهِيمِ{[19586]}

{ واتبع أَدْبَارَهُمْ } ، أي سر خلفهم { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } لئلا ترتاعوا من أمر عظيم فأنزل بهم من العذاب .

وقيل : معناه الإسراع ، وترك الاهتمام لما خلف وراءه ، كما يقول : امض لشأنك ، ولا تعرج على شيءٍ .

وقيل : المعنى لو بقي [ منه ] متاعٌ في ذلك الموضع ، فلا يرجعن بسببه ألبتَّة .

وقيل : جعل الله ذلك علامة لمن ينجو من آل لوطٍ .

{ وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : يعني " الشَّام " {[19587]} .

وقال المفضل : حيث يقول لكم جبريل . وقال مقاتل : يعني زغر{[19588]} . وقيل : " الأرْدن " .

قوله : { حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } " حَيْثُ " على بابها من كونها ظرف مكان مبهمٍ ، ولإبهامها تعدى إليها الفعل من غير واسطةٍ ، على أنه قد جاء في الشِّعر تعديته إليها ب " في " كقوله : [ الطويل ]

فَأصْبحَ في حَيْثُ التَقيْنَا شَريدُهمْ *** طَليقٌ ومكْتوفُ اليَديْنِ ومُزْعِفُ{[19589]}

وزعم بعضهم أنها هنا ظرف زمانٍ ، مستدلاً بقوله : { بِقِطْعٍ مِّنَ الليل } ثم قال { وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } أي : في ذلك الزَّمان .

وهو ضعيف ، ولو كان كما قال ، لكان التركيب وأمضوا حيث أمرتهم على أنه لو جاء التَّركيب كذا لم يكن فيه دلالة .


[19586]:البيت لعبد الرحمن بن الحكم بن العاصي وقيل لزياد الأعجم بمدح معاوية. ينظر: الرازي 19/205، الكشاف 2/294، الألوسي 14/68، وتفسير أبي السعود 3/319، شواهد الكشاف ص 528، والصحاح واللسان والتاج "قطع".
[19587]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/54) والرازي (19/160) عن ابن عباس. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/191) عن السدي وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
[19588]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/54).
[19589]:البيت للفرزدق . ينظر: ديوانه 2/29، الكتاب 2/10، الخزانة 5/36، جمهرة أشعار العرب ص 888، البحر المحيط 5/448، روح المعاني 14/69، الدر المصون 4/303، ومُزعف، بفتح العين وكسرها: الصريع.