تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا} (28)

ثم قال : { نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : يعني خَلْقَهم . { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا } أي : وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة ، وبَدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا . وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة .

وقال ابن زيد ، وابن جرير : { وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا } [ أي ]{[29618]} : وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم ، كقوله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ{[29619]} قَدِيرًا } [ النساء : 133 ] وكقوله : { إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ إبراهيم : 19 ، 20 ، وفاطر 16 ، 17 ] .


[29618]:- (2) زيادة من م.
[29619]:- (3) في أ: "وكان الله على كل شيء" وهو خطأ.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{نَّحۡنُ خَلَقۡنَٰهُمۡ وَشَدَدۡنَآ أَسۡرَهُمۡۖ وَإِذَا شِئۡنَا بَدَّلۡنَآ أَمۡثَٰلَهُمۡ تَبۡدِيلًا} (28)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{نحن خلقناهم} في بطون أمهاتهم وهم نطفة.

{وشددنا أسرهم} حين صاروا شبانا يعنى أسرة الشباب، وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن.

{وإذا شئنا بدلنا أمثالهم} ذلك السواد والنور بالبياض والضعف.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: نحن خلقنا هؤلاء المشركين بالله المخالفين أمره ونهيه.

"وَشَدَدْنا أسْرَهُمْ": وشددنا خلقهم، من قولهم: قد أُسِر هذا الرجل فأُحسِن أسره، بمعنى: قد خُلِقَ فأُحسِن خَلْقه.

وقال آخرون: الأَسْر: المفاصل.

وقال آخرون: بل هو القوّة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الأسر، هو ما ذكرت عند العرب ومنه.

ومنه قول العامة: خذه بأسره: أي هو لك كله.

"وَإذَا شِئْنا بَدّلْنا أمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً" يقول: وإذا نحن شئنا أهلكنا هؤلاء وجئنا بآخرين سواهم من جنسهم أمثالهم من الخلق، مخالفين لهم في العمل.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{نحن خلقناهم وشددنا أسرهم} رجع إلى الاحتجاج عليهم لما أنكروا؛ يقول: يعلمون أنا خلقناهم بدءا، ونحن شددنا خلقتهم، أو نحن وصلنا جوارحهم المتفرقة ومفاصلهم المتشتتة بعضها إلى بعض، ونحن نبدل أمثالهم إن شئنا. فما بالهم ينكرون قدرتنا على البعث والإعادة بعد الموت؟. يقول: من قدر على ما ذكر لا يعجزه شيء، وهو على البعث أقدر.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم عدد النعم على عباده في خلقهم وإيجادهم وإتقان بنيتهم وشدِّ خلقتهم، والأسر: الخلقة واتساع الأعضاء والمفاصل،

قال القاضي أبو محمد: وأصل هذا في ما له شد ورباط كالعظم ونحوه...

ومن اللفظة الإسار: وهو القيد الذي يشد به الأسير.

ثم توعد تعالى بالتبديل واجتمع من القولين تعديد النعمة والوعيد بالتبدل احتجاجاً على منكري البعث، أي من هذا الإيجاد والتبديل إذا شاء في قدرته، فكيف تتعذر عليه الإعادة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

والمراد أن حبهم للعاجلة يوجب عليهم طاعة الله من حيث الرغبة ومن حيث الرهبة، أما من حيث الرغبة، فلأنه هو الذي خلقهم وأعطاهم الأعضاء السليمة التي بها يمكن الانتفاع باللذات العاجلة،..، وأما من حيث الرهبة فلأنه قدر على أن يميتهم، وعلى أن يسلب النعمة عنهم، وعلى أن يلقيهم في كل محنة وبلية، فلأجل من فوت هذه اللذات العاجلة يجب عليهم أن ينقادوا لله،..

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة، وبَدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا. وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

... يتلو ذلك التهوين من أمرهم عند الله الذي أعطاهم ما هم فيه من قوة وبأس، وهو قادر على الذهاب بهم وتبديل غيرهم منهم. ولكنه يتركهم لحكمة يجري بها قدره القديم: (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم، وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا).. وهذه اللفتة تذكر هؤلاء الذين يعتزون بقوتهم، بمصدر هذه القوة، بل مصدر وجودهم ابتداء. ثم تطمئن الذين آمنوا -وهم في حالة الضعف والقلة- إلى أن واهب القوة هو الذي ينتسبون إليه وينهضون بدعوته. كما تقرر في نفوسهم حقيقة قدر الله وما وراءه من حكمة مقصودة، هي التي تجري وفقها الأحداث حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. (وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا).. فهم لا يعجزون الله بقوتهم، وهو خلقهم وأعطاهم إياها. وهو قادر على أن يخلق أمثالهم في مكانهم.. فإذا أمهلهم ولم يبدل أمثالهم فهو فضله ومنته وهو قضاؤه وحكمته.. ومن هنا تكون الآية استطرادا في تثبيت الرسول [صلى الله عليه وسلم] ومن معه؛ وتقريرا لحقيقة موقفهم وموقف الآخرين.. كما أنها لمسة لقلوب هؤلاء المستغرقين في العاجلة، المغترين بقوة أسرهم، ليذكروا نعمة الله، التي يتبطرون بها فلا يشكرونها؛ وليشعروا بالابتلاء الكامن وراء هذه النعمة. وهو الابتلاء الذي قرره لهم في مطلع السورة.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما كان الإِخبار عنهم بأنهم {يذرون ورآءهم يوماً ثقيلاً} [الإنسان: 27] يتضمن أنهم ينكرون وقوع ذلك اليوم كما قدمناه، وكان الباعث لهم على إنكاره شبهةُ استحالة إعادة الأجسادِ بعد بِلاها وفنائها، وكان الكلام السابق مسوقاً مساق الذم لهم والإِنكار عليهم، جيء هنا بما هو دليل للإِنكار عليهم وإبطال لشبهتهم ببيان إمكان إعادة خلقهم يُعيده الذي خلقهم أول مرّة كما قال تعالى: {فسيقولون من يُعيدنا قُلِ الذي فطركم أول مرة} [الإسراء: 51] وغيرِ ذلك من الآيات الحائمة حول هذا المعنى.

وافتتاح الجملة بالمبتدأ المخبر عنه بالخبر الفِعلي دون أن تفتتح ب {خلقناهم} أو نحن خالقون، لإِفادة تقوّي الخبر وتحقيقه بالنظر إلى المعنِيِّينَ بهذا الكلام وإن لم يكن خطاباً لهم ولكنهم هم المقصود منه.

وتقويةُ الحكم بناء على تنزيل أولئك المخلوقين منزلة من يشك في أن الله خلقهم حيث لم يجْرُؤوا على موجِب العلم فأنكروا أن الله يعيد الخلق بعد البِلَى، فكأنهم يسندون الخلق الأول لغيره. وتقوِّي الحكم يترتب عليه أنه إذا شاء بدَّل أمثالهم بإعادة أجسادهم فلذلك لم يُحتج إلى تأكيد جملة: {وإذا شئنا بدّلنا أمثالهم}، استغناء بتولد معناها عن معنى التي قبلها وإن كان هو أولى بالتقوية على مقتضى الظاهر. وهذا التقوّي هنا مشعر بأن كلاماً يعقبه هو مصب التقوِّي، ونظيره في التقوِّي والتفريع قوله تعالى: {نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تُمْنُون} إلى قوله: {وما نحن بمسبوقين على أن نبدِّل أمثالكم} فإن المفرع هو أفرأيتم ما تمنون وما اتصل به. وجملة {فلولا تُصَدِّقون} معترضة وقد مضى في سورة الواقعة (57 -61).

ف {أمثالهم}: هي الأجساد الثانية إذ هي أمثال لأجسادهم الموجودةِ حين التنزيل.

وقوله: {وإذا شئنا بَدَّلْنا أمثالهم} إخبار بأن الله قادر على أن يُبدلهم بناس آخرين.

واجتلاب {إذا} في هذا التعليق لأن شأن {إذا} أن تفيد اليقين بوقوع ما قُيد بها بخلاف حرف (إنْ) فهو إيماء إلى أن حصول هذه المشيئة مستقرب الوقوع.

فيجوز أن يَكون هذا بمنزلة النتيجة لقوله: {نحن خلقناهم} الخ، ويُحمل الشرط على التحقق قال تعالى: {وإن الدين لَوَاقع} [الذاريات: 6].

ويجوز أن يكون قوله: {وإذا شئنا بدلنا أمثالهم} تهديداً لهم على إعراضهم وجحودهم للبعث، أي لو شئنا لأهلكناهم وخلقنا خلقاً آخر مثلهم كقوله تعالى: {إنْ يشأ يُذْهِبْكُم ويَأتِ بخَلْق جديد} [إبراهيم: 19].

والأمثال: جمع مِثْل وهو المماثل في ذاتٍ أو صفة، فيجوز أن يراد أمثالهم في أشكال أجسادهم وهو التبديل الذي سيكون في المعاد.

ويجوز أن يراد أمثالهم في أنهم أُمم، وعلى الوجه الأول فهو يدل على أن البعث يحصل بخلق أجسام على مِثال الأجساد التي كانت في الحياة الدنيا للأرواح التي كانت فيها.